كانت هذه مقدمات تأهيلية يحتاجها آدم وأبناء آدم في حياتهم الجديدة.ولعل الفترة التي قضاها آدم في الجنّة أن ينهض بمسؤولية الخلافة على الأرض كانت تدريبية أو تمرينية.
وهنا رأى «آدم» نفسه أمام أمر إلهي يقضي بعدم الاقتراب من الشجرة ، لكن الشيطان أبى إلّا أن ينفذ بقسمه في إغواء آدم وذريته ، فطفق يوسوس لآدم ويعده وزوجه ـ كما يبدو من سائر آيات القرآن الكريم ـ بالخلود وباتخاذ شكل الملائكة وأقسم أنه لهما من الناصحين. (١)
تقول الآية بعد ذلك : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) (٢).
نعم. أخرجا من الجنة حيث الراحة والهدوء وعدم الألم والتعب والعناء ، على أثر وسوسة الشيطان.
وصدر لهما الأمر الإلهي بالهبوط (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ، وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ).
وهنا ، فهم آدم أنه ظلم نفسه ، وأخرج من الجوّ الهادي المليء بنعم الجنّة بسبب استسلامه لوسوسة الشيطان. وهبط في جوّ مفعم بالتعب والمشقة والعناء. مع أن آدم كان نبيّا ومعصوما ، فإن الله يؤاخذ الأنبياء بترك الأولى ـ كما سنرى ـ كما يؤاخذ باقي الأفراد على ذنوبهم. وهو عقاب شديد تلقاه آدم جرّاء عصيانه.
* * *
__________________
(١) الأعراف ، ٢٠ و ٢١.
(٢) مرجع الضمير في «عنها» إمّا أن يعود على «الجنّة» ويكون معنى «ممّا كانا فيه» في هذه الحالة : من مقامهما الذي كانا فيه. وإمّا أن يعود على «الشّجرة» فيكون معنى الآية : إن الشيطان أزلهما بوسيلة الشّجرة ، وأخرجهما من الجنّة التي كانا فيها.