وتطلب منهم أن يخشوا الله وحده ، أي أن يخشوا عصيان أوامره سبحانه.
في البند الخامس من هذه الأوامر ينهى الله سبحانه عن خلط الحق بالباطل (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ).
وفي البند السادس ينهى عن كتمان الحق : (... وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
كتمان الحق ، مثل خلط الحق بالباطل ذنب وجريمة ، والآية تقول لهم : قولوا الحق ولو على أنفسكم ، ولا تشوهوا وجه الحقيقة بخلطها بالباطل وإن تعرضت مصالحكم الآنية للخطر.
البند السابع والثامن والتاسع من هذه الأوامر يبينه قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ).
البند الأخير يأمر بالصلاة جماعة ، غير أن «الركوع» هو الذي ذكر دون غيره من أجزاء الصلاة ، ولعل ذلك يعود إلى أنّ صلاة اليهود كانت خالية من الركوع ، تماما ، بينما احتل الركوع مكان الرّكن الأساسي في صلاة المسلمين.
ومن الملفت للنظر أنّ الآية لم تقل «أدّوا الصلاة» ، بل قالت : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ)، وهذا الحث يحمّل الفرد مسئولية خلق المجتمع المصلي ، ومسئولية جذب الآخرين نحو الصلاة.
بعض المفسرين قال إن تعبير «أقيموا» إشارة إلى إقامة الصلاة كاملة ، وعدم الاكتفاء بالاذكار والأوراد ، وأهم أركان كمال الصلاة حضور القلب والفكر لدى الله سبحانه ، وتأثير الصلاة على المحتوى الداخلي للإنسان (١).
هذه الأوامر الأخيرة تتضمن في الحقيقة : أولا بيان ارتباط الفرد بخالقه (الصلاة) ، ثمّ ارتباطه بالمخلوق (الزكاة) ، وبعد ذلك ارتباط المجموعة البشرية مع
__________________
(١) المنار ، ج ٢ ، ص ٢٩٣ ، ومفردات الراغب ، مادة «قوم».