البقرة نرى ادعاء آخر لهم : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) ،وهكذا في الآية ٨٠ من سورة البقرة : (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً).
هذه التصورات الموهومة كانت تدفعهم من جهة إلى الظلم والجريمة والطغيان ، وتبعث فيهم ـ من جهة اخرى ـ الغرور والتكبّر والاستعلاء.
والقرآن الكريم يجيب هؤلاء القوم جوابا دامغا إذ يقول : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
ألا تحبّون رحمة الله وجواره ونيل النعيم الخالد في الجنان؟ ألا يحب الحبيب لقاء حبيبه؟! لقد كان اليهود يهدفون من كلامهم هذا وأن الجنّة خالصة لنا دون سائر النّاس : أو أن النار لا تمسّنا إلّا أيّاما معدودات ـ إلى توهين إيمان المسلمين وتخدير عقائدهم.
لماذا تفرون من الموت ، وكل ما في الآخرة من نعيم هو لكم كما تدّعون؟! لماذا هذا الالتصاق بالأرض وبالمصالح الذاتية الفردية ، إن كنتم مؤمنين بالآخرة وبنعيمها حقّا؟!بهذا الشكل فضح القرآن أكذوبة هؤلاء وبيّن زيف ادعائهم.
في الآية التّالية تأكيد على ما سبق بشأن ابتعاد القوم عن الموت : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ، وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ).
هؤلاء يعلمون ما في ملفّ أعمالهم من وثاق سوداء ومن صحائف إدانة ، والله عليم بكل ذلك ، ولذلك فهم لا يتمنون الموت ، لأنه بداية حياة يحاسبون فيها على كل أعمالهم.
الآية الأخيرة تذكر انشداد هؤلاء بالأرض وحرصهم الشديد على المال والمتاع:(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) وتذكر الآية أن حرصهم هذا يفوق حرص الذين أشركوا : (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا).