أما «الكعبة» فكانت بالنسبة للمسلمين في المدينة تجاه الجنوب ، وبين المشرق والمغرب ، وفي خط وسط.
وهذا ما يفهم من عبارة «وكذلك» ، وإن كان للمفسرين آراء اخرى في هذه العبارة لا تخلو من مناقشة.
القرآن يؤكد أن المنهج الإسلامي في كل أبعاده ـ لا في بعد القبلة فقط ـ يقوم على أساس التوازن والاعتدال.
والهدف من ذلك (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً).
و «شهادة» الأمّة المسلمة على النّاس ، و «شهادة» النّبي على المسلمين ، قد تكون إشارة إلى الأسوة والقدوة ، لأن الشاهد ينتخب من بين أزكى النّاس وأمثلهم.
فيكون معنى هذا التعبير القرآني أن الأمّة المسلمة نموذجيّة بما عندها من عقيدة ومنهج، كما أن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فرد نموذجيّ بين أبناء الامّة.
الامّة المسلمة بعملها وبتطبيقها المنهج الإسلامي تشهد أن الإنسان بمقدوره أن يكون رجل دين ورجل دنيا ... أن يكون إنسانا يعيش في خضم الأحداث الاجتماعية وفق معايير روحية ومعنوية. الامّة المسلمة بمعتقداتها ومناهجها تشهد بعدم وجود أي تناقض بين الدين والعلم ، بل إن كلا منهما يخدم الآخر.
ثم تشير الآية إلى واحد آخر من أسرار تغيير القبلة فتقول : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ).
الآية لم تقل : يتبعك ، بل قالت : (يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) إشارة إلى أن هذا الإتباع إنما هو تسليم لأمر الله ، وكل اعتراض إنما هو عصيان وتمرد على الله ، ولا يصدر ذلك إلّا عن مشرك جاهلي.
وعبارة (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) تعني في الأصل الرجوع على مؤخر