كل الأنبياء واجهوا مثل هؤلاء الأفراد ، وهم إمّا أثرياء متنفذون ، أو علماء منحرفون، أو جاهلون متعصبون.
ثم تضيف الآية : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ).
أي إن هؤلاء لا يستطيعون مهما افتعلوا من ضجيج ، أن يغيروا مرّة اخرى قبلة المسلمين ، فهذه هي القبلة الثابتة النهائية.
وهذا التعبير القاطع الحاسم أحد سبل الوقوف بوجه الضجيج المفتعل ، ومن الضروري في مثل هذه الظروف أن يعلن الإنسان المسلم أمام الأعداء كلمته صريحة قوية ، مؤكدا أنه لا ينثني أمام هذه الانفعالات.
ثم تقول الآية : (وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ).
لا النصارى بتابعين قبلة اليهود ، ولا اليهود بتابعين قبلة النصارى.
ولمزيد من التأكيد والحسم ينذر القرآن النّبي ويقول : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ).
وفي القرآن يكثر مثل هذا اللون من الخطاب التهديدي للنبي بأسلوب القضية الشرطية، والهدف من ذلك ثلاثة أشياء :
الأوّل : أن يعلم الجميع عدم وجود أي تمييز بين النّاس في إطار القوانين الإلهية ، وحتى الأنبياء مشمولون بهذه القوانين. ومن هنا فلو صدر عن النّبي ـ على الفرض المحال ـ انحراف ، فسيشمله العقاب الإلهي ، مع استحالة صدور ذلك عن النّبي (بعبارة اخرى القضية الشرطية لا تدل على تحقق الشرط).
الثّاني : أن يتنبّه النّاس إلى واقعهم ، فإذا كان ذلك شأن النّبي ، فمن الأولى أن يكونوا هم أيضا واعين لمسؤولياتهم ، وأن لا يستسلموا إطلاقا لميول الأعداء وضجاتهم المفتعلة.
الثّالث : أن يتّضح عدم قدرة النّبي على تغيير أحكام الله ، وعدم إمكان الطلب إليه أن يغير حكما من الأحكام ، فهو عبد أيضا خاضع لأمر الله تعالى.
* * *