القاحلة المجدبة آنذاك ، ويسكنهما هناك.
امتثل إبراهيم أمر ربه ، وذهب بهما إلى صحراء مكة وأسكنهما في تلك الأرض ، وهمّ بالرجوع ، فضجّت زوجته بالبكاء ، إذ كيف تستطيع أن تعيش امرأة وحيدة مع طفل رضيع في مثل هذه الأرض؟!
بكاء هاجر ومعه بكاء الطفل الرضيع هزّ إبراهيم من الأعماق ، لكنه لم يزد على أن ناجى ربّه قائلا : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)(١)، ثم ودّع زوجه وطفله بحزن وألم عميقين.
لم يمض وقت طويل حتى نفذ طعام الأمّ وماؤها ، وجفّ لبنها. بكاء الطفل أضرم في نفس الأم نارا ، ودفعها لأن تبحث بقلق واضطراب عن الماء. اتجهت أولا إلى جبل «الصفا» فلم تجد للماء أثرا ، لفت نظرها بريق ماء عند جبل «المروة» فأسرعت إليه فوجدته سرابا ، ثم رأت عند المروة بريقا لدى الصفا أسرعت إليه فما وجدت شيئا ، وهكذا جالتسبع مرات بين الصفا والمروة بحثا عن الماء. وفي النهاية ، وبعد أن أشرف الطفل على الموت ، انفجرت عند رجله فجأة عين زمزم ، فشرب الطفل وأمه ونجيا من الموت المحقق.
الماء ، رمز الحياة ، وانفجار العين جرّ الطيور من الآفاق نحو هذه الأرض ، والقوافل شاهدت حركة الطيور ، فاتجهت هي أيضا نحو الماء وببركة هذه العائلة تحولت أرض مكة إلى مركز حضاري عظيم.
ويقع جوار الكعبة حجر إسماعيل حيث مدفن تلك المرأة وابنها ، وعلى الحاج أن يضمه إلى البيت في طوافه ، أي يجب على الحجاج أن يطوفوا خارج هذه الحجر وكأنه جزء من الكعبة.
__________________
(١) إبراهيم ، ٣٧.