تتمثل في ارتباط الموجودات ارتباطا خاصا بالله. ولو انقطع هذا الارتباط لحظة لزالت الموجودات تماما مثل زوال النور من المصابيح الكهربائية ، حين ينقطع اتصالها بالمولّد الكهربائي.
بعبارة اخرى : مالكية الله نتيجة خالقيته وربوبيته. فالذي خلق الموجودات ورعاها وربّاها ، وأفاض عليها الوجود لحظة بلحظة ، هو المالك الحقيقي للموجودات.
نستطيع أن نرى نموذجا مصغرا للمالكية الحقيقية ، في مالكيتنا لأعضاء بدننا ، نحن نملك ما في جسدنا من عين وأذن وقلب وأعصاب ، لا بالمعنى الاعتباري للملكية ، بل بنوع من المعنى الحقيقي القائم على أساس الارتباط والإحاطة.
وقد يسأل سائل فيقول : لماذا وصفنا الله بأنه (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) بينما هو مالك الكون كله؟
والجواب هو أنّ الله مالك لعالم الدنيا والآخرة ، لكن مالكيته ليوم القيامة أبرز وأظهر، لأن الارتباطات المادية والملكيات الاعتبارية تتلاشى كلها في ذلك اليوم ، وحتى الشفاعة لا تتم يومئذ إلا بأمر الله : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (١).
بتعبير آخر : قد يسارع الإنسان في هذه الدنيا لمساعدة إنسان آخر ، ويدافع عنه بلسانه ، ويحميه بأمواله ، وينصره بقدرته وأفراده ، وقد يشمله بحمايته من خلال مشاريع ومخططات مختلفة ، لكن هذه الألوان من المساعدات غير موجودة في ذلك اليوم. من هنا حين يوجه هذا السؤال إلى البشر : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) يجيبون : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ)(٢).
الإيمان بيوم القيامة ، وبتلك المحكمة الإلهية الكبرى التي يخضع فيها كل
__________________
(١) الانفطار ، ١٩.
(٢) المؤمن ، ١٦.