وعبادته.
لو قارنا هذه الآية بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ) (١) لفهمنا نكتتين :
تقول الآية هنا : (مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) ، بينما تقول تلك (مِمَّا فِي الْأَرْضِ).
ولعل هذا الاختلاف يشير إلى أن النعم الطيبة مخلوقة أصلا للمؤمنين ، وغير المؤمنين يتناولون هذه الأطعمة ببركة المؤمنين ، كالماء الذي يستعمله البستاني لسقي أشجاره وأغراسه، بينما تستفيد من هذا الماء أيضا الأعشاب والنباتات الطفيلية.
والاخرى ، أن الآية تقول لعامة النّاس : (كُلُوا) (... وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) وهذه الآية تخاطب المؤمنين وتقول : (كُلُوا) (... وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) أي لا تكتفي هذه الآية بالطلب من المؤمنين أن لا يسيئوا الاستفادة من هذه النعم ، بل تحثهم على حسن الاستفادة منها.
فالمتوقع من النّاس العاديين أن لا يذنبوا في استهلاك هذه النعم ، بينما المتوقع من المؤمنين أن يستثمروها في أفضل طريق.
وقد يثير تكرار التأكيد في القرآن الكريم على الاستفادة من الأطعمة الطيبة تساؤلا عن سبب هذا التكرار. أمّا لو عدنا إلى تاريخ العصر الجاهلي لفهمنا السبب. فالجاهليون قد حرّموا على أنفسهم بعض الأطعمة دونما دليل ، وتناقلت أجيالهم هذا التحريم وكأنّه وحي منزل ، ونسبوه أحيانا بصراحة إلى الله ، والقرآن استهدف اقتلاع جذور هذه الأفكار الخرافية من أذهانهم.
ثم إن التركيز على كلمة «طيب» يتضمن أيضا دعوة إلى اجتناب ما خبث من الأطعمة ، كالميتة والوحوش والحشرات ، وكالمسكرات السائدة بين النّاس بشدّة
__________________
(١) الآية ١٦٨ من هذه السّورة.