لأن أسمى وسام يتقلده الإنسان في هذا العالم ، هو وسام «الشهادة» على طريق هدف مقدس إلهي ، والشهادة أحبّ شيء للإنسان المؤمن ، وبداية لسعادته الأبديّة.
الإيمان بيوم القيامة يصون الإنسان من ارتكاب الذّنوب. بعبارة اخرى ، يتناسب ارتكابنا للذنوب مع إيماننا بالله واليوم الآخر تناسبا عكسيا ، فكلما قوي الإيمان قلت الذنوب. يقول الله سبحانه لنبيّه داود : (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) (١).
نسيان يوم الحساب أساس كل طغيان وظلم وذنب ، وبالتالي أساس استحقاق العذاب الشديد.
آخر آية في هذا البحث تشير إلى النتيجة التي يتلقاها المؤمنون المتصفون بالصفات الخمس المذكورة ، تقول : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ ... وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وقد ضمن ربّ العالمين لهؤلاء هدايتهم وفلاحهم ، وعبارة (مِنْ رَبِّهِمْ) إشارة إلى هذه الحقيقة.
واستعمال حرف (على) في عبارة (عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) يوحي بأن الهداية الإلهية مثل سفينة يركبها هؤلاء المتقون لتوصلهم إلى السعادة والفلاح. (لأن حرف ـ على ـ يوحي غلبا معنى الاستعلاء).
واستعمال كلمة «هدى» في حالة نكرة يشير إلى عظمة الهداية التي شملهم الله بها.
وتعبير (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) يفيد الانحصار كما يذكر علماء البلاغة ، أي إن الطريق الوحيد للفلاح هو طريق هؤلاء المفلحين (٢)!
__________________
(١) ص ، ٢٦.
(٢) صاحب «المنار» يصر على أن تكرار كلمة «أولئك» في الآية يفيد الإشارة إلى مجموعتين :