واعلم أن «بل» إذا ذكرت بعد كلام موجب فمعناها الإضراب.
وهو إما أن يقع في كلام الخلق ؛ ومعناه إبطال ما سبق على طريق الغلط من المتكلم ؛ أو أنّ الثاني أولى.
وإما أن يقع في كلام الله تعالى ، وهو ضربان :
أحدهما : أن يكون ما فيها من الردّ راجعا إلى العباد ؛ كقوله تعالى : (قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ) (الأنبياء : ٥).
والثاني : أن يكون إبطالا ؛ ولكنه على أنه قد انقضى وقته ؛ وأن الذي بعده أولى بالذكر ، كقوله تعالى : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ [بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ]) (١) (النمل : ٦٦) وقوله : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) (ص : ٨).
وزعم ابن مالك في شرح «الكافية» (٢) أن «بل» حيث وقعت في القرآن فإنها للاستئناف لغرض آخر لا لإبطال الأول ؛ وهو مردود بما سبق ، وبقوله : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) (الأنبياء : ٢٦) ؛ فأضرب بها عن قولهم ، وأبطل كذبهم.
وقوله : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) (الشعراء : ١٦٦) ، أضرب بها عن حقيقة إتيانهم الذكور وترك الأزواج.
٣ / ٢٥ ومنه قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) (الطلاق : ٢) ، فالأول للمطلّقين والثاني للشهود ؛ نحو : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ ...]) (٣) (البقرة : ٢٣٢) ، [أوّلها للأزواج] (٤) وآخرها للأولياء.
ومنه تكرار الأمثال ، كقوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ* وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ* وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ* وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) (فاطر : ١٩ ـ ٢٠ ـ ٢١ ـ ٢٢).
__________________
(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(٢) هو محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك ، العلاّمة جمال الدين الطائي الشافعي ، تقدم في ١ / ٣٨١ وانظر التعريف بكتابه في ٣ / ٨٦.
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.