وكذلك ضرب مثل المنافقين أول البقرة (١) ثنّاه الله تعالى.
قال الزمخشريّ : «والثاني [أبلغ (٢) من الأول لأنه أدلّ على فرط الحيرة ، وشدّة الأمر وفظاعته» ، قال : «ولذلك أخّر] ، وهم يتدرّجون في نحو هذا من الأهون إلى الأغلظ».
ومنه تكرار القصص في القرآن ؛ كقصة إبليس في السجود لآدم ، وقصة موسى وغيره من الأنبياء ، قال بعضهم : ذكر الله موسى في مائة وعشرين موضعا من كتابه ، قال ابن العربي (٣) في «القواصم» : ذكر الله قصة نوح في خمسة وعشرين آية ، وقصة موسى في سبعين آية. انتهى.
وإنما كررها لفائدة خلت عنه في الموضع الآخر وهي أمور :
أحدهما : أنه إذا كرّر القصة زاد فيها شيئا ، ألا ترى أنه ذكر الحية في عصا موسى عليه السّلام ، وذكرها في موضع آخر ثعبانا ، ففائدته أن ليس كل حية ثعبانا ، وهذه عادة البلغاء ، أن يكرر أحدهم في آخر خطبته أو قصيدته كلمة [لصفة] (٤) زائدة. ٣ / ٢٦
الثانية : أن الرجل كان يسمع القصة من القرآن ثم يعود إلى أهله ، ثم يهاجر بعده آخرون يحكون عنه ما نزل بعد صدور الأولين ؛ وكان أكثر من آمن به مهاجريا ؛ فلولا تكرر القصة لوقعت قصة موسى إلى قوم ، وقصة عيسى إلى آخرين ، وكذلك سائر القصص ، فأراد الله سبحانه وتعالى اشتراك الجميع [١٦٥ / ب] فيها ، فيكون فيه إفادة القوم ، وزيادة تأكيد وتبصرة لآخرين وهم الحاضرون ، وعبّر عن هذا ابن الجوزي (٥) وغيره. [بأن يقال كل من الصادرين عنه صلىاللهعليهوسلم] (٦).
__________________
(١) يشير المؤلف إلى قوله تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ...) الآية. (البقرة :١٧ ـ ١٩).
(٢) ذكره الزمخشري في الكشاف ١ / ٤١.
(٣) هو محمد بن عبد الله بن محمد ، الإمام أبو بكر ابن العربي الاندلسي الاشبيلي (ت ٥٤٣ ه) تقدمت ترجمته في ١ / ١٠٩. وأما كتابه «القواصم» فقد طبع باسم «العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوسلم» طبعة أولى في الجزائر باشراف (عبد الحميد بن باريس) سنة ١٣٤٦ ه / ١٩٢٧ م. وطبع ثانيا بتحقيق (محب الدين الخطيب) ونشرته لجنة الشباب عام ١٣٧١ ه / ١٩٥١ م في (٢٩٥) ص. وطبع بتحقيق (عمار الطالبي) بدار الغرب الإسلامي في بيروت عام ١٤٠٥ ه / ١٩٨٥ م. ولم نجد قوله في الكتاب المطبوع.
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٥) هو عبد الرحمن بن علي بن محمد أبو الفرج بن الجوزي ، تقدمت ترجمته في ١ / ١٨٢.
(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.