الثالثة : [تسليته لقلب النّبيّ صلىاللهعليهوسلم] (١) مما اتفق للأنبياء مثله مع أممهم قال تعالى : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) (هود : ١٢٠).
الرابعة : أن إبراز الكلام الواحد في فنون كثيرة وأساليب مختلفة لا يخفى ما فيه من الفصاحة.
الخامسة : أن الدّواعي لا تتوفر على نقلها [كتوفرها على نقل] (٢) الأحكام ، فلهذا كررت القصص دون الأحكام.
٢ / ٢٧ السادسة : أن الله تعالى أنزل هذا القرآن ، وعجز القوم عن الإتيان بمثل آية ، لصحّة نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم ، ثم بين وأوضح الأمر في عجزهم ؛ بأن كرر ذكر القصة في مواضع ، إعلاما بأنهم عاجزون عن الإتيان بمثله بأيّ نظم جاءوا ، بأي عبارة عبّروا ، قال ابن فارس (٣) : وهذا هو الصحيح.
السابعة : أنه لما سخر العرب بالقرآن قال : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (البقرة : ٢٣) ، وقال في موضع [آخر : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ) (هود : ١٣) ، فلو ذكر قصة آدم مثلا في موضع واحد واكتفى بها لقال العربيّ بما قال الله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)] (٤) ، (البقرة : ٢٣) ، «ايتونا أنتم بسورة من مثله» ، فأنزلها سبحانه في تعداد السور ، دفعا لحجّتهم من كل وجه.
الثامنة : أنّ القصة الواحدة من هذه القصص ؛ كقصة موسى مع فرعون وإن ظنّ أنها لا تغاير الأخرى فقد يوجد في ألفاظها زيادة ونقصان وتقديم وتأخير ، وتلك حال المعاني الواقعة بحسب تلك الألفاظ ؛ فإن كلّ واحدة لا بدّ وأن تخالف نظيرتها من نوع معنى زائد فيه ، لا يوقف عليه إلا منها دون غيرها ؛ فكأنّ الله تعالى فرّق ذكر ما دار بينهما وجعله أجزاء ، ثم قسّم تلك الأجزاء على تارات التكرار لتوجد متفرقة فيها ؛ ولو جمعت تلك القصص في موضع واحد لأشبهت ما وجد الأمر عليه من الكتب المتقدمة ؛ من انفراد كل قصة منها بموضع ؛ كما وقع في القرآن بالنسبة ليوسف عليهالسلام خاصّة ، فاجتمعت في هذه الخاصية ؛ من نظم القرآن عدة معان عجيبة :
__________________
(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٣) هو أحمد بن فارس بن زكريا ، أبو الحسين القزويني ، تقدمت ترجمته في ١ / ١٩١.
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.