اشمئزازهم ليس يقتضي التجاءهم إلى الله تعالى ، وإنما يقتضي إعراضهم عنه من جهة أن سياق الآية يقتضي إثبات التناقض ؛ وذلك أنك تقول : زيد يؤمن بالله تعالى : فإذا مسه الضرّ لجأ إليه (١) [فهذا سبب ظاهر مبنيّ على اطراد الأمر وتقول : زيد كافر بالله ، فإذ مسّه ضر لجأ إليه] (١) ، فتجيء بالفاء هنا كالأول لغرض التزام التناقض ، أو العكس ، حيث أنزل الكافر كفره منزلة الإيمان في فصل سبب الالتجاء ؛ فأنت تلزمه (٢) العكس ؛ بأنك (٣) إنما تقصد بهذا الكلام الإنكار والتعجب من فعله.
وقوله : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الزمر : ٦١) بقوله : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ* لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (الزمر : ٦٢ ـ ٦٣) اعتراض واقع في أثناء كلام متصل ؛ وهو قوله : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الزمر : ٦١) ، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (الزمر : ٦٣) ، وهو على مهيع أسلوب القرآن ؛ من ذكر الضدّ عقب الضد [كثير] (٤) كما قيل :
وبضدها تتبين الأشياء
ومنها الإدلاء بالحجة ؛ كقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) (النحل : ٤٣ ـ ٤٤) ، فاعترض بقوله : (فَسْئَلُوا) بين قوله (نُوحِي إِلَيْهِمْ) (النحل : ٤٣) وبين قوله : (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) (النحل : ٤٤) إظهارا لقوة الحجة عليهم.
٣ / ٦١ وبهذه الآية ردّ ابن مالك (٥) على أبي علي الفارسيّ (٦) قوله : «إنه لا يعترض بأكثر من جملة واحدة».
__________________
(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٢) في المخطوطة «فإنه يلزمه».
(٣) في المخطوطة «فإنك».
(٤) ساقط من المطبوعة.
(٥) هو محمد بن عبد الله بن مالك جمال الدين الطائي الشافعي ، تقدمت ترجمته في ١ / ٣٨١.
(٦) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار تقدمت ترجمته في ١ / ٣٧٥. وفي المخطوطة «أبو موسى الفارسي» وهو تصحيف واضح.