لموسى ؛ فراعى في المقامين حسن الأدب معهما ، تعليما للأمة ، وهو أصل (١) عظيم في الأدب في الخطاب.
وقوله : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (المنافقون : ١) فإنه لو اختصر لترك : (وَاللهُ يَعْلَمُ) ؛ لأن سياق الآية لتكذيبهم في دعوى الإخلاص في الشهادة ، لكن حسن ذكره رفع توهم أن التكذيب للمشهود به في نفس الأمر.
وقوله حاكيا عن يوسف عليهالسلام : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) (يوسف : ١٠٠) ولم يذكر الجبّ مع أن النعمة فيه أعظم [من السجن] (٢) لوجهين :
٣ / ٦٧ أحدهما : لئلا يستحيي إخوته ، والكريم يغضي ؛ ولا سيّما في وقت الصفاء.
والثاني : لأن السجن كان باختياره ، فكان الخروج منه أعظم ، بخلاف الجب.
وقوله : (تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) (المائدة : ١١٠) ؛ وإنما ذكر الكهولة مع أنه لا إعجاز فيه ؛ لأنه كان في العادة ، أنّ من يتكلم في المهد أنه لا يعيش ولا يتمادى به العمر ، فجعل الاحتراس بقوله : (وَكَهْلاً) (المائدة : ١١٠).
ومنه قوله : (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) (النحل : ٢٦) ، والسقف لا يكون إلا من فوق ؛ لأنه سبحانه رفع الاحتمال الذي يتوهم من أن السقف قد يكون من تحت بالنسبة ؛ فإن كثيرا من السقوف يكون أرضا لقوم وسقفا لآخرين ؛ فرفع تعالى هذا الاحتمال بشيئين وهما قوله : (عَلَيْهِمُ) (النحل : ٢٦) ، ولفظة (خر) لأنها لا تستعمل إلا فيما [١٧٣ / ب] هبط أو سقط من العلوّ إلى سفل.
وقيل : إنما أكد ليعلم أنهم كانوا حالّين (٣) تحته ، والعرب تقول : خرّ علينا سقف ووقع علينا حائط ، (٤) [فجاء بقوله : (مِنْ فَوْقِهِمْ) (النحل : ٢٦) ، ليخرج هذا الشك الذي في كلامهم ، فقال : (مِنْ فَوْقِهِمْ) ، أي عليهم وقع] (٤) ؛ وكانوا تحته ، فهلكوا وما قتلوا.
__________________
(١) ساقط من المخطوطة.
(٢) ساقط من المخطوطة.
(٣) في المخطوطة «خالدين».
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.