ولا يبلغ مع ذلك كنه ما هنالك (١) ، لقوله (٢) عليه [الصلاة] (٣) والسلام : «لا عين رأت ؛ ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر» (٤).
قلت : ومنه : (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) (طه : ٧٨) ما لا يعلم كنهه إلا الله ، قال الزمخشري (٥) : وهذا من باب الاختصار ومن جوامع الكلم المتحملة مع قلّتها للمعاني الكثيرة.
ومنها : التخفيف ؛ لكثرة دورانه في كلامهم ، كما [في] (٦) حذف حرف النداء! في نحو :
(يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) (يوسف : ٢٩) وغيره. قال سيبويه : العرب تقول لا أدر ؛ فيحذفون الياء ، والوجه «لا أدري» ، لأنه رفع ، وتقول : «لم أبل» ، فيحذفون الألف ، والوجه «لم أبال».
ويقولون : «لم يك» (٧) فيحذفون النون ؛ كلّ ذلك يفعلونه استخفافا لكثرته في كلامهم.
٣ / ١٠٧ ومنها : حذف نون التثنية والجمع وأثرها باق ، نحو «الضاربا زيدا» و «الضاربو زيدا» (٨) وقراءة من قرأ (٩) : (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) (الحج : ٣٥) كأن النون ثابتة ، فعلوا ذلك لاستطالة الموصول في الصلة ، نحو : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) (الفجر : ٤) حذفت الياء للتخفيف.
ويحكى عن الأخفش أن المؤرّج السّدوسيّ (١٠) سأله : فقال : لا أجيبك حتى تنام على
__________________
(١) في المخطوطة (هناك).
(٢) في المخطوطة (كقوله).
(٣) ليست في المخطوطة.
(٤) قطعة من حديث عن أبي هريرة رضياللهعنه أخرجه البخاري في الصحيح ٦ / ٣١٩ ، كتاب بدء الخلق (٥٩) ، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (٨) ، الحديث (٣٢٤٤). وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢١٧٤ ، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (٥١) ، الحديث ٢ / ٢٨٢٤.
(٥) الكشاف ٢ / ٤٤٢.
(٦) ساقطة من المطبوعة.
(٧) في المخطوطة (أك).
(٨) في المخطوطة (زيد).
(٩) وهي قراءة أبي عمرو ، في رواية والحسن ، وابن أبي إسحاق (البحر المحيط ٦ / ٣٦٩) ، وانظر الكتاب ١ / ١٨١ ـ ٢٠٢.
(١٠) هو مؤرج بن عمرو بن الحارث السدوسي البصري من أعيان أصحاب الخليل ، عالم بالعربية والحديث والأنساب سمع الحديث من شعبة بن الحجاج وأبي عمرو بن العلاء وغيرهما ، وأخذ منه أحمد بن محمد اليزيدي وغيره ، وكان قد رحل مع المأمون إلى خراسان فسكن مدينة مرو من تصانيفه «غريب القرآن» و «الأنواء» و «المعاني» وغيرها (ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٩ / ١٩٦).