ومنها : قال أبو الفتح بن جني (١) : «ومن حق الحذف أن يكون في الأطراف لا في الوسط ؛ لأن طرف الشيء أضعف من قلبه ووسطه ، قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) (الرعد : ٤١) ، وقال الطائي الكبير (٢) : ٣ / ١١٥
كانت هي الوسط الممنوع فاستلبت |
|
ما حولها الخيل حتى أصبحت طرفا» |
فكأنّ الطرفين سياج للوسط ومبذولان للعوارض دونه ، ولذلك تجد الإعلال عند التصريفيّين ، بالحذف منها ، فحذفوا الفاء في المصادر من باب وعد ، نحو العدة والزنة والهبة واللام في نحو اليد والدم والفم والأب والأخ ، وقلّما تجد الحذف في العين لما ذكرنا ، وبهذا يظهر لطف هذه اللغة العربية (٣).
تنبيهات
الأول : قد توجب صناعة النحو التقدير وإن كان المعنى غير متوقف عليه ؛ كما في قوله : «لا إله إلا الله» فإن الخبر محذوف ، وقدّره النحاة ب «موجود» أو «لنا».
وأنكره الإمام فخر الدين (٤) ، وقال : هذا كلام (٥) لا يحتاج إلى تقدير ، وتقديرهم فاسد ، لأن نفي الحقيقة مطلقة أعمّ من نفيها مقيّدة ، فإنها إذا انتفت مطلقة كان ذلك دليلا على سلب الماهية مع القيد ، وإذا انتفت مقيدة بقيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر.
ولا معنى لهذا الإنكار ؛ فإن تقدير «في الوجود» ، يستلزم نفي كلّ إله غير الله قطعا فإنّ العدم لا كلام فيه ، فهو في الحقيقة نفي للحقيقة مطلقة (٦) لا مقيّدة (٧). ثم لا بدّ من تقدير خبر لاستحالة مبتدأ بلا خبر ، ظاهرا أو مقدرا ؛ وإنما يقدّر النحويّ القواعد [١٨٢ / أ] حقها وإن
__________________
(١) انظر الخصائص ٢ / ١٦٦ باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني.
(٢) هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي ، أبو تمام ، الشاعر الأديب أحد أمراء البيان ولد في جاسم من قرى حوران بسورية ورحل إلى مصر ... ثم ولي بريد الموصل فلم يتم سنين حتى توفي ٢٣١ ه (الأعلام ٢ / ١٦٥). والبيت في ديوانه ٢ / ٣٧٤.
(٣) في المخطوطة (الغريبة).
(٤) في التفسير الكبير ٤ / ١٧٤ (المسألة الثامنة).
(٥) في المخطوطة (الكلام).
(٦) في المخطوطة (مطلقا).
(٧) في المخطوطة (مقيد).