وقوله : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ ...) (طه : ١٢٣) الآية ، فإنّ مقتضى التقسيم اللفظيّ : من اتبع الهدى فلا خوف ولا حزن يلحقه ، وهو صاحب الجنة ، ومن كذب يلحقه الخوف والحزن وهو صاحب النار ؛ فحذف من كلّ ما أثبت نظيره في الأخرى.
قيل : ومنه قوله [تعالى] (١) : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً) (البقرة : ١٧١) ، قال سيبويه (٢) : في «باب استعمال الفعل في اللفظ لا في المعنى» : «لم يشبّهوا بالناعق ؛ وإنما شبّهوا بالمنعوق به ؛ وإنما المعنى : ومثلكم (٣) ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به الذي لا يسمع إلا دعاء ؛ ولكنه جاء على سعة الكلام والإيجاز لعلم المخاطب بالمعنى». انتهى.
والذي أحوجه إلى هذا التقدير ، أنّه لمّا شبّه (٤) الذين كفروا بالنّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ـ وهذا بناه على أن الناعق بمعنى الداعي ؛ وليس بمتعين ؛ لجواز ألاّ يراد به الداعي ؛ بل الناعق من الحيوان ـ شبّههم في تألّفهم وتأتّيهم بما ينعق من الغنم بصاحبه ؛ من أنهم يدعون ما لا يسمع ولا يبصر ولا يفهم ما يريده ، فيكون (٥) ثمّ حذف.
٣ / ١٣٢ وقيل : ليس من هذا النوع إلا الاكتفاء من (٦) الأول بالثالث ؛ لنسبة بينهما ؛ وذلك أنه اكتفى بالذي ينعق ـ وهو الثالث المشبه به ـ عن المشبّه ، وهو الكناية (٧) المضاف إليها في قوله : ومثلك ، وهو الأول وأقرب إلى هذا التشبيه المركب والمقابلة ؛ وهو الذي غلط من وضعه في هذا النوع ؛ وإنما هو من نوع الاكتفاء للارتباط العطفي ؛ على ما سلف. وقد قال الصّفار (٨) : هذا الذي صار إليه سيبويه ـ من أنه حذف من الأول المعطوف عليه ، ومن الثاني المعطوف ـ ضعيف لا ينبغي أن يصار إليه إلا عند الضرورة ، لأنّ فيه حذفا كثيرا مع إبقاء حرف
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) في الكتاب ١ / ٢١٢.
(٣) في المخطوطة (ومثلك).
(٤) في المخطوطة (لمناسبة) بدل (لما شبه).
(٥) في المخطوطة (فلا يكون).
(٦) في المخطوطة (عن).
(٧) في المخطوطة (الكاف).
(٨) هو القاسم بن علي البطليوسي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.