ويجوز أن تكون «ما» نافية ، والمعنى : ليأكلوا من ثمره ولم تعمله أيديهم ؛ فيكون أبلغ في الامتنان. ويقوّي ذلك قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ* أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (الواقعة : ٦٣ ـ ٦٤) ؛ وعلى هذا فلا تكون الهاء مرادة ، لأنها غير موصولة.
وجعل بعضهم منه قوله تعالى : (وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) (١) (المؤمنون : ٣٣) ، وهو فاسد ، لأن «شرب» يتعدّى بنفسه.
والغرض حينئذ بالحذف أمور :
منها : قصد الاختصار عند قيام القرائن ؛ والقرائن إما حالية كما في قوله تعالى : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (الأعراف : ١٤٣) ، لظهور [أن] (٢) المراد : أرني ذاتك. ويحتمل أن يكون هاب المواجهة بذلك ، ثم براه الشوق. ويجوز أن يكون أخّر ليأتي به مع الأصرح ؛ لئلا يتكرّر هذا المطلوب العظيم على المواجهة إجلالا.
ومنه قوله تعالى : (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي) (القصص : ٢٧) ؛ (٣) [الظاهر أنه متعدّ حذف مفعوله ؛ أي تأجرني] (٣) نفسك.
٣ / ١٦٤ وجعل منه السكاكيّ (٤) قوله تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) (القصص : ٢٣) فمن قرأ بكسر الدال (٥) من (يُصْدِرَ) فإنه حذف المفعول في خمسة مواضع ، والأقرب أنه من الضرب الثاني كما سنبيّنه (٦) فيه إن شاء الله [تعالى] (٧).
وقوله : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) (البقرة : ١٩٨) ، أي أنفسكم.
__________________
(١) تصحفت في المخطوطة إلى (تشربون منه).
(٢) ساقطة من المخطوطة.
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٤) هو يوسف بن أبي بكر السكاكي تقدم في ١ / ١٦٣ ، وانظر مفتاح العلوم : ٢٢٩ ـ ترك المفعول «دلائل الإعجاز» للجرجاني ص ١٢٤.
(٥) قراءة ابن عامر وأبي عمرو «يصدر» بفتح الياء وضم الدال ، والباقون بضم الياء وكسر الدال (التيسير : ١٧١).
(٦) في المخطوطة (سنذكره).
(٧) ليست في المخطوطة.