الرابع : أن أصل الجعل وإن جاز وإسناده إلى الله فيما إذا كان الأمر لائقا ، فإن بابه مهول ؛ لأن الله تعالى قد علّمنا عظيم خطره ، وألا (١) نقول فيه إلا بالعلم ، كقوله : (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (البقرة : ١٦٩) ، (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (النجم : ٢٨) ، إلى غير ذلك ، مع ما دلّ عليه الأدب عقلا ، وكان نفس الجعل مستنكرا إن لم يتبع بمجعول (٢) لائق ، فإذا أتبع بمجعول غير لائق منهم ثم فسّر بخاص مستنكر ، صار قوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) (الأنعام : ١٠٠) في قوة إنكار ذلك ثلاث مرات : الأوّل جسارتهم في أصل الجعل (٣) ، الثاني في كون المجعول شركاء ، الثالث في أنهم شركاء جنّ.
الخامس : أن في تقديم «لله» إفادة تخصيصهم إياه بالشركة على الوجه الثالث ، دون جميع ما يعبدون ، لأنه الإله (٤) الحق.
السادس : أنه جيء بكلمة «جعلوا» لا «اعتقدوا» ولا «قالوا» (٥) [لأنه أدلّ على إثبات المعتقد] (٥) ، لأنه يستعمل في الخلق والإبداع.
٣ / ٢٠٣ السابع : كلمة «شركاء» ولم يقل «شريكا» وفاقا لمزيد ما فتحوا من اعتقادهم.
الثامن : لم يقل «جنّا» ، وإنما قال «الجن» ، دلالة على أنهم اتخذوا الجن كلها وجعلوه من حيث هو صالح لذلك ؛ وهو أقبح من التنكير الذي وضعه للمفردات المعدولة.
***
الرابع : أن يدلّ عليه معنى (٦) الفعل الظاهر ؛ كقوله تعالى : (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) (النساء : ١٧١) ، أي (٧) وائتوا أمرا خيرا لكم (٧) ؛ فعند سيبويه (٨) أن «خيرا» انتصب بإضمار «ائت» (٩) لأنّه لما نهاه علم أنه يأمره بما هو خير ؛ فكأنه قال : «وائتوا خيرا» ؛ لأن النهي عن
__________________
(١) في المخطوطة (ولأنا). تصحيف.
(٢) في المخطوطة (مجعول).
(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (العجل).
(٤) في المخطوطة (إله).
(٥) العبارة ساقطة من المخطوطة.
(٦) في المخطوطة (بمعنى).
(٧) تكررت الآية في المخطوطة (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ).
(٨) انظر الكتاب ١ / ٢٨٢ ـ ٢٨٤ (هذا باب يحذف منه الفعل لكثرته في كلامهم ...).
(٩) في المخطوطة (وائت).