وقيل : المراد ب «اركعي» اشكري.
وقيل : أراد ب «اسجدي» صلّي وحدك ، وب «اركعي» صلّي في جماعة ، ولذلك قال : (مَعَ الرَّاكِعِينَ). (آل عمران : ٤٣).
ومنها سبق تنزيه ، كقوله تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ [وَرُسُلِهِ]) (١) (البقرة : ٢٨٥) ، فبدأ بالرسول قبل المؤمنين ، ثم قال : (كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ) (البقرة : ٢٨٥) ، فبدأ بالإيمان بالله ؛ لأنه قد يحصل بدليل العقل ، والعقل [٢٠٧ / ب] سابق (٢) في الوجود على الشرع ، ثم قال : (وَمَلائِكَتِهِ) مراعاة لإيمان الرسول ، فإنه يتعلق بالملك الذي هو جبريل [أوّلا] (٣) ثم بالكتاب الذي نزل به جبريل ، ثم بمعرفة نفسه أنه رسول. وإنما عرف نبوة نفسه بعد معرفته بجبريل (٤) عليهالسلام وإيمانه ، فترتب الذكر المنزل عليه بحسب ذلك ، فظهرت الحكمة والإعجاز ، فقال : (كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) (البقرة : ٢٨٥) ؛ لأن الملك هو النازل بالكتاب ، وإن كان الكتاب أقدم من الملك ، ولكن رؤية النبي صلىاللهعليهوسلم للملك كانت قبل سماعه الكتاب. وأما إيماننا نحن بالعقل ، آمنا بالله ، أي بوجوده ، ولكن الرسول صلّى الله [تعالى] (٥) عليه وسلّم عرفنا اسمه ووجوب النظر المؤدي إلى معرفته ، فآمنا بالرسول ثم بالكتاب المنزل عليه ، وبالملك النازل به ، فلو ترتب اللفظ على حسب إيماننا لبدأ بالرسول قبل الكتاب ؛ ولكن إنما ترتب على حسب إيمان الرسول صلّى الله [تعالى] (٥) عليه وسلّم ، الذي هو إمام المؤمنين. ذكره السهيليّ (٦) في «أماليه». ٣ / ٢٤٦
وقال غيره : في هذا الترتيب سرّ لطيف ، وذلك لأن النور والكمال والرحمة والخير كلّه مضاف إلى الله تعالى ، والوسائط في ذلك الملائكة ، والمقابل لتلك الرحمة هم الأنبياء والرسل ، فلا بدّ أولا من أصل ، وثانيا من وسائط ، وثالثا من حصول تلك الرحمة ، ورابعا من وصولها إلى المقابل لها ؛ والأصل المقتضي للخيرات والرحمة هو الله ، ومن أعظم رحمة رحم بها عباده إنزال كتبه إليهم ، والموصل لها هم الملائكة ، والمقابل لها المنزلة عليهم هم الأنبياء ؛ فجاء الترتيب على ذلك بحسب الوقائع.
__________________
(١) ليست في المطبوعة.
(٢) في المخطوطة (يقع).
(٣) ساقطة من المخطوطة.
(٤) في المخطوطة (لجبريل).
(٥) ليست في المخطوطة.
(٦) تقدم التعريف به في ١ / ٢٤٢ ، وبكتابه في ٣ / ٢٨٠.