عباس (١) وغيره : السرّ : ما أسررت في نفسك ، وأخفى منه ما لم تحدّث به نفسك ، مما (٢) يكون في عدّ (٣) علم الله فيهما سواء ، ولا شكّ أن الآتي أبلغ ، وفيه (٤) وجهان :
أحدهما : أنه أفعل تفضيل يستدعي مفضلا عليه ، علم حتى يتحقق في نفسه ، فيكون حينئذ تقديم السرّ من النوع الأول.
وثانيهما : مراعاة رءوس الآي.
ومنها شرف الإدراك ، كتقديم السّمع على البصر ، والسميع على البصير (٥) ؛ لأنّ السمع أشرف على أرجح القولين عند جماعة ، وقدم القلب عليهما في قوله [تعالى] (٦) : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ [غِشاوَةٌ]) (٦) (البقرة : ٧) ، لأن الحواسّ خدمة القلب ، وموصلة إليه ؛ وهو المقصود ؛ وأما قوله : (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ) (الجاثية : ٢٣) ، فأخّر القلب فيها ؛ لأن العناية هناك بذمّ المتصامّين عن السماع ؛ ومنهم الذين كانوا يجعلون القطن في آذانهم حتى لا يسمعوا (٧) ، ولهذا صدرت (٨) السورة بذكرهم في قوله : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ* يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) (الجاثية : ٧ ـ ٨).
ومنها شرف المجازاة ، كقوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) (الأنعام : ١٦٠).
ومنها شرف العموم ؛ فإنّ العامّ أشرف من الخاص ، كتقديم العفوّ على الغفور ؛ أي عفوّ عمّا لم يؤاخذنا به مما (٩) نستحقّه بذنوبنا ، غفور (١٠) لما واخذنا به في الدنيا ، قبلنا ورجعنا
__________________
(١) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات : ١٥١. باب ما جاء في إثبات صفة العلم وأخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٣٧٨ ـ ٣٧٩ ، كتاب التفسير ، تفسير سورة طه ، باب بيان معنى السر وأخفى. وذكره السيوطي في الدر المنثور ٤ / ٢٩٠ وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) في المخطوطة (ما).
(٣) في المخطوطة (عند) بدل (في عدّ).
(٤) في المخطوطة (ففيه).
(٥) العبارة في المخطوطة (وسميع على بصير).
(٦) ليست في المخطوطة.
(٧) في المخطوطة (لا يسمعون) بدل (حتى لا يسمعوا).
(٨) في المخطوطة (صدّر).
(٩) في المخطوطة (فيما).
(١٠) في المخطوطة (غفورا).