فإذا قلت : «يده» فقد رفعت ذلك الإبهام ، فالبدل جار مجرى التأكيد ، لدلالة الأول عليه ، أو المطابقة (١) كما في بدل الكلّ ، أو التضمن كما في بدل البعض ، أو الالتزام (٢) كما في بدل الاشتمال ؛ فإذا قلت : «ضربت زيدا رأسه» فكأنك قد ذكرت الرأس مرتين ، مرة بالتضمن وأخرى بالمطابقة ، وإذا قلت : «شربت ماء البحر بعضه» فإنه مفهوم من قولك : «شربت ماء البحر» أنك لم تشربه كله فجئت بالبعض تأكيدا.
وهذا معنى قول سيبويه ، ولكنه ثنّى (٣) الاسم تأكيدا ، وجرى (٤) مجرى الصفة في الإيضاح ، لأنك إذا قلت : «رأيت أبا عمرو زيدا» ، «ورأيت غلامك زيدا» ، «ومررت برجل صالح زيد» ، فمن الناس من يعرفه بأنه غلامك ، أو بأنه رجل صالح ، ولا يعرف أنه زيد ، وعلى العكس ، فلمّا ذكرتهما أثبتّ باجتماعهما المقصود. وهذا معنى قول الزمخشري (٥) : وإنما يذكر الأول لتجوز التوطئة ، وليفاد (٦) بمجموعهما فضل تأكيد وتبيين [١٥٠ / ب] لا يكون في الإفراد.
وقال ابن السيّد (٧) : ليس كلّ بدل يقصد به رفع الإشكال الذي يعرض في المبدل (٨) منه ، بل من البدل ما يراد به التأكيد ، وإن كان ما قبله غنيا عنه ، كقوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* صِراطِ اللهِ) (الشورى : ٥٢ ، ٥٣) ، ألا ترى أنه لو لم يذكر «الصراط» الثاني لم يشكّ أحد أن الصراط المستقيم هو صراط الله. وقد نصّ سيبويه على أن من البدل ما الغرض منه التأكيد ، ولهذا جوزوا بدل المضمر من المضمر ، كلقيته إياه (٩). انتهى.
__________________
(١) في المخطوطة (بالمطابقة).
(٢) في المخطوطة (بالالتزام).
(٣) تصحفت في المخطوطة والمطبوعة إلى (بنى). والصواب من كتاب سيبويه ١ / ١٥٠ ، باب من الفعل يستعمل في الاسم ثم يبدل مكان ذلك الاسم ...
(٤) تصحفت في المخطوطة إلى (أو جاء).
(٥) انظر المفصّل ص ١٢١. باب البدل.
(٦) تصحفت في المخطوطة إلى (وليتفادى).
(٧) هو عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي تقدم التعريف به في ١ / ٣٤٣.
(٨) في المخطوطة (البدل).
(٩) تصحفت في المطبوعة إلى (أباه) ، وانظر كتاب سيبويه ٢ / ٣٨٦ ، باب ما تكون فيه أنت وأنا ونحن.