مبالغة في بيان عجزهم ؛ لأن من عجز عن أيسر الأمرين كان عن أعظمهما (١) أعجز ، ثم قال سبحانه : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) (فاطر : ٤١) ، فقدّم السموات تنبيها على عظم قدرته سبحانه ؛ لأنّ خلقها أكبر من خلق الأرض ، كما صرّح به في سورة المؤمن ؛ ومن قدر على إمساك الأعظم كان على إمساك الأصغر أقدر.
فإن قلت : فهلاّ اكتفى [به] (٢) عن (٣) ذكر الأرض بهذا التنبيه البيّن ، الذي لا يشكّ فيه أحد! قلت : أراد ذكرها مطابقة ؛ لأنه على كلّ حال أظهر وأبين ؛ فانظر أيها العاقل حكمة القرآن ، وما أودعه من البيان والتبيان ، تحمد عاقبة النظر ، وتنتظر (٤) خير منتظر!.
***
ومن أنواعه أن يقدم (٥) اللفظ في الآية ويتأخر فيها ؛ لقصد أن يقع البداءة والختم به ، للاعتناء بشأنه ، وذلك كقوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) (آل عمران : ١٠٦).
وقوله : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها ...) (الجمعة : ١١) إلى قوله : ([قُلْ] (٦) ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ) (الجمعة : ١١) وكذلك (٧) قوله : (إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) [٢١٥ / ب] (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (البقرة : ٣٣) فإنه لو لا ما أسلفناه ، لقيل : (٨) ما تكتمون وتبدون (٨) ؛ لأنّ الوصف بعلمه أمدح ، كما قيل : (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) (الأنعام : ٣) ، و (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) (الرعد : ٩) (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) (النحل : ١٩). ٣ / ٢٧٨
__________________
(١) في المخطوطة (من أعظمها).
(٢) ساقطة من المطبوعة.
(٣) في المطبوعة (من).
(٤) في المخطوطة (وتنظر).
(٥) في المخطوطة (تقدم).
(٦) ليست في المخطوطة.
(٧) في المخطوطة (وكذا).
(٨) في المخطوطة (ما تبدون وتكتمون).