وقال ابن الضائع (١) : «هم» لا تقع إلا على من يعقل ، فلما أعاد الضمير على كل دابة غلب من يعقل ، فقال : [«هم»] (٢) ، و «من» بعض هذا الضمير ؛ وهو للعاقل ، فلزم أن يقول «من» فلما قال : [«من»] (٣) لوقوع التغليب في الضمير ، صار ما يقع عليه حكمه حكم العاقلين ؛ فتمّم ذلك بأن أوقع «من».
وكقوله تعالى حاكيا عن السماء والأرض : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (فصلت : ١١) ، [إنما جمعهما جمع السلامة ، ولم يقل «طائعين»] (٤) ولا «طائعات» ، لأنه أراد : ائتيا بمن فيكم من الخلائق طائعين ، فخرجت الحال على لفظ الجمع ، وغلّب من يعقل من الذكور.
وقال بعض النحويين : لما أخبر عنهما أنهما يقولان كما يقول الآدميون أشبهتا الذكور من بني آدم ، وإنما قال : «طائعين» ولم يقل : «مطيعين» ، لأنه من طعنا [أي] (٥) انقدنا ، وليس من أطعنا ؛ يقال : طاعت الناقة تطوع طوعا ، إذا انقادت.
وقوله تعالى : (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (البقرة : ١١٦) ، قيل : أوقع «ما» لأنها تقع على أنواع من يعقل ؛ لأنه (٦) إذا اجتمع من يعقل وما لا يعقل فغلّب ما لا يعقل ؛ كان الأمر بالعكس ؛ ويناقضه : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (البقرة : ١١٦).
وقال الزمخشري : «جاء ب «ما» تحقيرا لشأنهم وتصغيرا (٧) ، قال : «له قانتون» تعظيم.
وردّ عليه ابن الضائع بصحة وقوعها على الله عزوجل ، قال : وهذا غاية الخطأ ؛ وقوله في دعاء الأصنام : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ) (الشعراء : ٧٢).
وقوله : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) (فصلت : ٢١).
وأما قوله : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (الشعراء : ٤) ، وقوله [تعالى] : (فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يس : ٤٠) (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) (الأنبياء : ٦٥).
__________________
(١) هو علي بن محمد بن علي بن يوسف تقدم التعريف به في ٢ / ٢٣٩.
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) ليست في المطبوعة.
(٤) ليست في المخطوطة.
(٥) ليست في المخطوطة.
(٦) عبارة المخطوطة (لا لأنه اجتمع من وما لا يعقل فغلب ما لا يعقل ، لأن الأمر بالعكس ...).
(٧) انظر الكشاف ١ / ٩٠ عند تفسير الآية ١١٦ من سورة البقرة.