(إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (يوسف : ٤) ، (لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها) (الأنبياء : ٩٩). (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) (النمل : ١٨) [لأنه سبحانه] (١) لما أخبر عنها بأخبار الآدميين جرى ضميرها على حدّ من يعقل ، وكذا البواقي.
فإن قيل : فقد غلّب غير العاقل [على العاقل] (٢) في قوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ) (النحل : ٤٩) ، فإنه لو غلّب العاقل على غير العاقل لأتى ب «من».
فالجواب أنّ هذا الموضع غلّب فيه من يعقل ، وعبّر عن ذلك [ب «ما»] (٢) ، لأنها واقعة على أجناس من يعقل [ومن لا يعقل ، وقد يقع على أجناس من يعقل] (٣) خاصة ، كهذه الآية.
[و] (٣) قوله : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَ) (المائدة : ١٢٠) ، ولم يقل «ومن فيهن» قيل : لأن كلمة «ما» تناول الأجناس كلّها تناولا عاما بأصل الوضع ، و «من» لا تتناول غير العقلاء بأصل الوضع ، فكان استعمال «ما» هنا أولى.
وقد يجتمع في لفظ واحد تغليب المخاطب على الغائب ، والعقلاء [٢١٨ / ب] على غيرهم ، كقوله : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) (الشورى : ١١) ، أي خلق لكم أيها الناس من جنسكم ذكورا وإناثا ، وخلق الأنعام أيضا من أنفسها ذكورا وإناثا ، يذرؤكم ، أي ينبتكم ويكثركم أيها الناس والأنعام ، في هذا التدبير والجعل ، فهو خطاب للجميع ؛ للناس المخاطبين وللأنعام المذكورة بلفظ الغيبة ، ففيه تغليب المخاطب على الغائب ، وإلا لما صحّ ذكر الجميع (٤) ـ أعني الناس والأنعام ـ بطريق الخطاب ؛ لأن الأنعام غيب ، وتغليب العقلاء على غيرهم ؛ وإلاّ لما صح خطاب الجمع بلفظ [«كم»] (٥) المختص بالعقلاء ، ففي لفظ «كم» تغليبان ، ولو لا التغليب لكان القياس أن يقال : يذرؤكم وإياها. هكذا قرره السكاكيّ (٦) والزمخشريّ.
__________________
(١) ليست في المطبوعة.
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) ليست في المطبوعة.
(٤) في عبارة المخطوطة اضطراب (والاصح لما ذكر الجميع) والصواب ما في المطبوعة.
(٥) ليست في المخطوطة.
(٦) هو يوسف بن أبي بكر تقدم التعريف به في ١ / ١٦٣ ، وانظر قوله في كتابه مفتاح العلوم ص ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ، ـ