وأما إرسال السحاب فهو سحاب يأذن في إرسالها ، ولم يذكر له سببا ، بخلاف سوق السحاب ، وإنزال المطر فإنه قد ذكر أسبابه : (١) ([وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) (الأنعام : ٩٩) ، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) (الحج : ٦٣) ، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ] (١) أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها) (فاطر : ٢٧). (أَمَّنْ خَلَقَ (٢) السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ) (النمل : ٦٠).
وجعل الزمخشريّ منه قوله : في سورة طه : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً [مِنْ نَباتٍ شَتَّى]) (٣) (طه : ٥٣) : وزعم الجرجاني أن في هذه الآية التفاتا ، وجعل قوله : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) (طه : ٥٣) آخر كلام موسى ، ثم ابتدأ الله تعالى فأخبر عن نفسه بأوصافه لمعالجتها.
وأشار الزمخشري (٣) إلى أن فائدة الالتفات إلى التكلم في هذه المواضع التنبيه على التخصيص بالقدرة ؛ وأنه لا يدخل تحت قدرة واحد ، وهو معنى قول غيره : إن الإشارة إلى حكاية الحال واستحضار تلك الصورة البديعة الدالّة على القدرة. وكذا يفعلون لكلّ فعل [٢٢١ / أ] فيه نوع تمييز وخصوصية بحال تستغرب ، [أو تهمّ المخاطب] (٤) ؛ وإنما قال : (فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) (الحج : ٦٣) ، لإفادة بقاء المطر زمانا بعد زمان.
ومثله : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) (فصلت : ١٢) ، عدل عن الغيبة في «قضاهنّ» و «سواهنّ» إلى التكلم في قوله : (وَزَيَّنَّا) (فصلت : ١٢) ، فقيل للاهتمام بذلك ، والإخبار عن نفسه ، بأنّه جعل الكوكب زينة السماء الدنيا ، وحفظا ؛ تكذيبا لمن أنكر ذلك.
وقيل : لما كانت الأفعال المذكورة في هذه الآية نوعين :
أحدهما : وجه الإخبار عنه بوقوعه في الأيام المذكورة ، وهو خلق الأرض في يومين ، وجعل (٥) الرواسي من فوقها وإلقاء البركة فيها ، وتقدير الأقوات في تمام أربعة أيام ؛ ثم الإخبار
__________________
(١) ليست في المطبوعة.
(٢) عبارة الآية في المخطوطة (أم خلقوا السموات ...) والصواب ما في المطبوعة.
(٣) ليست في المخطوطة ، وانظر الآية عند الزمخشري في الكشاف ٢ / ٤٣٦ تفسير سورة طه.
(٤) ليست في المخطوطة.
(٥) عبارة المخطوطة (وجعل فيها رواسي من فوقها ، وألقى البركة).