لما في ذلك من تنشيط السامع ، واستجلاب صفائه ، واتساع مجاري الكلام ، وتسهيل الوزن والقافية [شعرا ونثرا] (١).
وقال البيانيون : إن الكلام إذا جاء على أسلوب واحد وطال حسن تغيير الطريقة.
ونازعهم القاضي شمس الدين الخوييّ (٢) وقال : الظاهر أنّ مجرّد هذا لا يكفي في المناسبة ، فإنّا رأينا كلاما أطول في هذا ، والأسلوب محفوظ ، قال تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ...) (الأحزاب : ٣٥) إلى [أن] (٣) ذكر عشرة أصناف ، وختم ب (الذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) (الأحزاب : ٣٥) ، ولم يغيّر الأسلوب ؛ وإنما المناسبة أن الإنسان كثير التقلب ، وقلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن ، ويقلّبه كيف يشاء ، فإنه يكون غائبا فيحضر بكلمة واحدة ، وآخر يكون حاضرا فيغيب ، فالله تعالى لما قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (الفاتحة : ٢) تنبه السامع وحضر قلبه (٤) ، فقال : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة : ٥) وأمّا الخاصة فتختلف باختلاف محالّه ومواقع الكلام فيه على ما يقصده المتكلم.
***
فمنها قصد تعظيم شأن المخاطب ، كما في : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (الفاتحة : ٢) ، فإنّ العبد إذا افتتح حمد مولاه بقوله : «الحمد لله» الدالّ على اختصاصه بالحمد وجد من نفسه التحرّك [٢٢٢ / أ] للإقبال عليه سبحانه ؛ فإذا انتقل إلى قوله : (رَبِّ الْعالَمِينَ) (الفاتحة : ٢) الدالّ على ربوبيته لجميعهم قوي تحرّكه ، فإذا قال : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة : ٣) الدالّ على أنه منعّم بأنواع النعم ؛ جليلها وحقيرها تزايد التحرّك عنده ، فإذا وصل ل (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة : ٤) وهو خاتمة الصفات الدالّة على أنه مالك الأمر يوم الجزاء ، [فيتأهّب قربه] (٥) وتيقّن الإقبال عليه بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة في المهمات.
__________________
(١) ليست في المطبوعة.
(٢) هو أحمد بن خليل بن سعادة قاضي القضاة شمس الدين تقدم التعريف به في ١ / ١٠٨ ، وقد تحرف الاسم في المطبوعة إلى (شمس الدين بن الجوزي) والتصويب من المخطوطة.
(٣) ليست في المخطوطة.
(٤) في المخطوطة (بقلبه).
(٥) ليست في المخطوطة.