[وقيل] (١) إنما اختير للحمد لفظ الغيبة ، وللعبادة الخطاب ، للإشارة إلى أن الحمد دون العبادة في الرتبة ؛ فإنّك تحمد نظيرك ولا تعبده ، إذ الإنسان يحمد من لا يعبده ، ولا يعبد من لا يحمده (٢) ، فلما كان كذلك استعمل لفظ الحمد لتوسطه مع الغيبة في الخبر فقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ولم يقل «[الحمد] (٣) لك» ، ولفظ العبادة مع الخطاب فقال : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) (الفاتحة : ٥) لينسب إلى العظيم حال المخاطبة والمواجهة ، على ما هو أعلى رتبة ؛ وذلك على طريق التأدب. وعلى نحو من ذلك جاء آخر السورة فقال : (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (الفاتحة : ٧) مصرّحا (٤) بذكر المنعم ، وإسناد الإنعام إليه لفظا ولم يقل «صراط المنعم عليهم» ؛ فلما صار إلى ذكر الغضب روى عنه لفظ (٥) الغضب في النسبة إليه لفظا ، وجاء باللفظ متحرفا عن ذكر الغاضب ؛ فلم يقل «غير الذين غضبت عليهم» ، تفاديا عن نسبة الغضب في اللفظ حال المواجهة.
ومن هذا قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) (الإسراء : ١١١) ؛ فإنّ التأدب في الغيبة دون الخطاب.
وقيل : لأنه لما ذكر الحقيق بالحمد ، وأجرى عليه الصفات العظيمة من كونه ربّا للعالمين ورحمانا ورحيما ، ومالكا ليوم الدين ، تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بأن يكون معبودا دون غيره ، مستعانا به ، فخوطب بذلك لتميّزه بالصفات المذكورة ، تعظيما لشأنه [كلّه] (٦) ؛ حتى كأنه قيل : إياك ، يا من هذه صفاته نخصّ بالعبادة والاستعانة لا غيرك.
قيل : ومن لطائفه (٧) التنبيه على أنّ مبتدأ الخلق الغيبة منهم (٨) عنه سبحانه ، وقصورهم عن محاضرته ومخاطبته ، وقيام حجاب العظمة عليهم ، فإذا عرفوه بما هو له ، وتوسلوا للقرب بالثناء عليه ، وأقروا بالمحامد له وتعبّدوا له بما يليق بهم ، تأهّلوا لمخاطباته ومناجاته فقالوا : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة : ٥).
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) تصحفت العبارة في المخطوطة إلى (ولا يعبد إلا من يحمده) والصواب ما في المطبوعة.
(٣) ليست في المخطوطة.
(٤) في المخطوطة (معرجا).
(٥) في المخطوطة (ذكر الغضب).
(٦) ليست في المخطوطة.
(٧) في المطبوعة (ومن لطائف).
(٨) في المخطوطة (مبتدأ الخلق إليه منه عنه سبحانه ، وقصورهم عن مخاطرته ...).