وفيه أنّهم يبدون بين يدى كلّ دعاء له سبحانه ومناجاة له صفات عظمته لمخاطبته على الأدب والتعظيم ، لا عن الغفلة والإغفال ، ولا عن اللعب والاستخفاف ، كمن يدعو بلا نيّة أو على تلعب وغفلة ، وهم كثير.
ومنه أن مناجاته لا تصعد (١) إلا إذا تطهر [له] (٢) من أدناس الجهالة به ، كما لا تسجد الأعضاء إلا بعد التطهير من حدث الأجسام ؛ ولذلك قدمت الاستعاذة على القرآن.
قال الزمخشريّ : وكما في قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) (النساء : ٦٤) ، ولم يقل «واستغفرت لهم» لأنّ في [هذا] (٢) الالتفات بيان تعظيم استغفاره ، وأنّ شفاعة من اسمه الرسول بمكان (٣).
***
ومنها : التنبيه على ما حق الكلام أن يكون واردا عليه ، كقوله تعالى : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (يس : ٢٢) ، أصل الكلام «وما لكم لا تعبدون الذي فطركم» ولكنه أبرز الكلام في معرض المناصحة لنفسه ، وهو يريد مناصحتهم ؛ ليتلطّف بهم ، ويريهم [٢٢٢ / ب] أنه لا يريد لهم ، إلا ما يريد لنفسه ، ثم لما انقضى غرضه [من ذلك] (٤) قال : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (يس : ٢٢) ليدلّ على ما كان من أصل الكلام ، ومقتضيا [له] (٤) ، ثم ساقه هذا المساق إلى أن قال : (آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) (يس : ٢٥).
***
ومنها : أن يكون الغرض به التتميم لمعنى مقصود للمتكلم ؛ فيأتي به محافظة على تتميم ما قصد إليه من المعنى المطلوب له ، كقوله : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ* أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ* رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الدخان : ٤ ، ٥ ، ٦) ، أصل الكلام «إنا [كنا] (٥) مرسلين رحمة منّا» ، ولكنه وضع الظاهر موضع المضمر (٦) ، للإنذار بأنّ الربوبية تقتضي الرحمة للمربوبين ، للقدرة عليهم ، أو لتخصيص النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بالذكر ، أو الإشارة
__________________
(١) في المخطوطة (لا تشرع).
(٢) ليست في المطبوعة.
(٣) انظر الكشاف ١ / ٢٧٧ عند تفسير الآية (٦٤) من سورة النساء.
(٤) ليست في المخطوطة.
(٥) ليست في المطبوعة.
(٦) في المخطوطة (موضع الضمير).