(اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) (ص : ١٧) ، قال : إن قوله : (وَاذْكُرْ) ليس متصلا بما قبله ، بل نقلا لهم عما هم عليه ، والمقدمة المدرجة قوله : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) (ص : ٢٧) إلى قوله : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (ص : ٢٩).
وهذا الذي قاله يخرج الآية عن الاتصال [٢٢٣ / ب] مع أنّ في الاتصال وجوها مذكورة في موضعها.
وألحق به الأستاذ أبو جعفر بن الزبير (١) قوله تعالى : (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ* بَلْ عَجِبُوا ...) (ق : ١ ـ ٢) الآية ؛ فهذا إنكار منهم للبعث واستبعاد ، نحو الوارد في سورة «ص» ؛ فأعقب ذلك بما يشبه الالتفات بقوله : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها ...) (ق : ٦) إلى قوله [في ماء السماء] (٢) : (وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ) (ق : ١١) ، فبعد العدول عن مجاوبتهم ، في قولهم : (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) (ق : ٣) ، وذكر اختلافهم المسبّب عن تكذيبهم ، في قوله : (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) (ق : ٥) ، صرف تعالى الكلام إلى نبيّه والمؤمنين ، فقال : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها ...) (ق : ٦) إلى قوله : (وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) (ق : ١١) ، وذلك حكمة تدرك مشاهدة ، لا يمكنهم التوقف في شيء منه ولا حفظ عنهم إنكاره ، فعند تكرر هذا ، قال تعالى : (كَذلِكَ الْخُرُوجُ) (ق : ١١).
ومما يقرب من الالتفات أيضا الانتقال من خطاب الواحد والاثنين والجمع إلى خطاب آخر ؛ وهو ستة أقسام ، كما سبق تقسيم الالتفات : [المشهور] (٣) أحدها : الانتقال من خطاب الواحد لخطاب الاثنين ، كقوله تعالى : (أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ) (يونس : ٧٨).
الثاني : من خطاب الواحد إلى خطاب الجمع : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) (الطلاق : ١).
__________________
(١) هو أحمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي تقدم التعريف به في ١ / ١٣٠ وانظر قوله في ملاك التأويل ٢ / ٨٠٧ ـ ٨٠٩ في الكلام على سورة ص.
(٢) ليست في المطبوعة.
(٣) ليست في المطبوعة.