من التذكير والتأنيث ؛ يريد أنّك إذا أردت القرب من المكان ، قلت : زيد قريب من عمرو ، وهند قريبة من العباس ، فكذا في النسب.
وقال أبو عبيدة (١) : ذكّر «قريب» لتذكير المكان ، أي مكانا قريبا. وردّه ابن الشجري (٢) بأنه لو صحّ لنصب «قريب» على الظرف.
وقال الأخفش : المراد بالرحمة هنا المطر ؛ لأنه قد تقدم ما يقتضيه ، فحمل المذكّر عليه.
وقال الزّجاج : لأن الرحمة والغفران بمعنى واحد ؛ وقيل : لأنها والرحم سواء.
ومنه : (وَأَقْرَبَ رُحْماً) (الكهف : ٨١) ، فحملوا الخبر على المعنى ، ويؤيده قوله تعالى : ([هذا] (٣) رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) (الكهف : ٩٨).
وقيل : الرحمة مصدر ، والمصادر كما لا تجمع لا تؤنث.
وقيل : «قريب» على وزن «فعيل» و «فعيل» يستوي فيها المذكر والمؤنث حقيقيّا كان أو غير حقيقي. ونظيره قوله تعالى : (وَهِيَ رَمِيمٌ) (يس : ٧٨).
وقيل : من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، مع الالتفات إلى المحذوف ، فكأنه قال : وإنّ مكان رحمة الله قريب ، ثم حذف المكان وأعطى الرحمة إعرابه وتذكيره.
وقيل : من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، أي إنّ رحمة الله شيء قريب أو لطيف ، أو برّ أو إحسان.
وقيل : من باب إكساب المضاف حكم المضاف إليه ؛ إذا كان صالحا للحذف والاستغناء عنه بالثاني ، والمشهور في هذا تأنيث المذكر لإضافته إلى مؤنث ، كقوله :
مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت |
|
أعاليها مرّ الرياح النّواسم (٤) |
فقال : «تسفهت» والفاعل مذكر ؛ لأنه اكتسب تأنيثا من الرياح ، إذ الاستغناء عنه جائز ، وإذا كانت الإضافة على هذا تعطي المضاف تأنيثا لم يكن له. فلأن تعطيه تذكيرا لم يكن له ـ
__________________
(١) ذكره أبو عبيدة في مجاز القرآن ١ / ٢١٦ سورة الأعراف ، الآية (٥٦).
(٢) انظر الأمالي الشجرية ١ / ٢٢٧ ضمن فصل : مما أنكر على أبي طيب.
(٣) ليست في المخطوطة.
(٤) البيت ذكره ابن منظور في مواضع من لسان العرب دون ذكر نسبته ، في ٣ / ٢٨٨ مادة عود ، وفي ٤ / ٤٤٦ مادة صدر ، وفي ١١ / ٥٣٦ مادة قبل ، وفي ١٣ / ٤٩٩ مادة سفه.