فإن قيل : أهمّ الأفعال المذكورة في الآية إحياء الموتى ، وقد ذكر بلفظ الماضي ، وما ذكرته يقتضي أولويّة ذكره بلفظ المضارع ، إذ هو أهمّ ، وإثارة السحاب سبب أعيد على قريب.
قيل : لا نسلم بأهميّة إحياء الأرض بعد موتها ؛ فالمقدّمات المذكورة أهمّها وأدلها على القدرة أعجبها وأبعدها عن قدرة البشر ، وإثارة السحاب أعجبها ؛ فكان أولى بالتخصيص بالمضارع ؛ وإنما قال : إن إثارة السحاب أعجب لأن سببها أخفى ؛ من حيث أنّا (١) نعلم بالعقل (٢) أن نزول الماء سبب في اخضرار الأرض ، وإثارة السحاب وسوقه (٣) سبب نزول الماء. فلو خلّينا وظاهر العقل لم نعلم (٤) : إن الرياح سببها ؛ لعدم إحساسنا بمادّة السحاب وجهته [ولطافة الريح عن إدراك الحس] (٥).
ومن لواحق ذلك العدول عن المستقبل إلى اسم المفعول ، لتضمّنه معنى الماضي ، كقوله [تعالى (ذلِكَ] (٥) يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) (هود : ١٠٣) ، تقريرا للجمع فيه ، وأنّه لا بد أن يكون [معادا] (٦) للناس ، مضروبا لجميعهم ، وإن شئت فوازن بينه وبين قوله : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ [ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ]) (٥) (التغابن : ٩) ، لتعرف (٧) صحة هذا المعنى.
فإن قلت : الماضي أدلّ على [هذا] (٥) المقصود من اسم المفعول ، فلم عدل عنه إلى ما دلالته أضعف؟ قلت : لتحصل المناسبة بين «مجموع» و «مشهور» في استواء شأنهما طلبا للتعديل في العبارة.
ومنه العدول عن المستقبل إلى اسم الفاعل ، كقوله تعالى : (وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) الذاريات : ٦) ، فإن اسم الفاعل ليس حقيقة في الاستقبال ، بل في الحال.
__________________
(١) في المخطوطة (من حيث انا لا نعلم).
(٢) في المطبوعة (نعلم بالفعل).
(٣) رسمها في المخطوطة (ونوقصه).
(٤) في المطبوعة (لم نقل).
(٥) ليست في المطبوعة.
(٦) ليست في المخطوطة.
(٧) في المخطوطة (يطلعك على صحة).