قلت : إلغاء فعل الرؤية في كلامهم جائز لا واجب ؛ فمن أين لنا ما يقتضي تعيين حمل الآية عليه؟
الثالث : إن همزة الاستفهام إذا دخلت على موجب تقلبه (١) إلى النفي ، كقوله تعالى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ [مِنْ دُونِ اللهِ]) (٢) (المائدة : ١١٦) ، وإذا دخلت على نفي تقلبه (١) إلى الإيجاب ؛ فالهمزة في الآية للتقرير ، فلما انتقل الكلام من النفي إلى الإيجاب لم ينتصب الفعل ، لأن شرط النصب (٣) كون السابق منفيّا محضا : ذكره العزيزي في «البرهان» (٤).
ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة السجدة : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً) (السجدة : ٢٧).
الرابع : «أنه لو نصب لأعطى ما هو عكس الغرض لأن معناه إثبات الاخضرار ، فكان ينقلب بالنصب إلى نفي الاخضرار ، مثاله أن تقول لصاحبك : ألم تر أني أنعمت فتشكر! إن نصبت فأنت ناف لشكره ، شاك تفريطه ، وإن رفعت فأنت مثبت لشكره. ذكر هذا الزمخشري في «الكشاف» (٥) ، قال : وهذا ومثاله مما يجب أن يرغب له من اتّسم بالعلم في علم الإعراب وتوقير أهله».
وقال ابن الخباز (٦) : النصب يفسد المعنى ؛ لأنّ رؤية المخاطب الماء الذي أنزله الله ليس سببا للاخضرار ؛ وإنما الماء نفسه هو سبب الاخضرار.
ومنه قوله تعالى : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) (فاطر : ٩) ، فقال : «تثير» مضارعا ، وما قبله وما بعده ماضيا ، مبالغة في تحقيق إثارة الرياح السحاب للسامعين وتقدير تصوّره في أذهانهم.
__________________
(١) في المخطوطة (نقلته).
(٢) ليست في المطبوعة.
(٣) في المطبوعة (لأن شرط النفي) وما أثبتناه من المخطوطة.
(٤) هو أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك المعروف بشيذلة تقدم التعريف به في ١ / ١١٢ ، وتقدم التعريف بكتابه في ٢ / ٢٢٤.
(٥) انظر الكشاف ٣ / ٣٩ عند تفسير الآية (٦٣) من سورة الحج.
(٦) هو أحمد بن الحسين بن أحمد الإربلي شمس الدين ، تقدم التعريف به في ٣ / ١٤.