وقوله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ [بِذُنُوبِكُمْ]) (١) (المائدة : ١٨) ، المعنى : فلم عذّب آباءكم بالمسخ والقتل؟ لأن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لم يؤمر بأن يحتجّ عليهم بشيء لم يكن [بعد] (٢) ؛ لأن الجاحد يقول : إني لا أعذّب ، لكن احتجّ عليهم بما قد كان.
وقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) (الحج : ٦٣). فعدل عن لفظ «أصبحت» إلى «تصبح» ، قصدا للمبالغة في تحقيق اخضرار الأرض لأهميته ؛ إذ (٣) هو المقصود بالإنزال.
فإن قلت : كيف قال النحاة : إنه يجب نصب الفعل المقرون بالفاء إذا وقع في جواب الاستفهام ، كقوله [تعالى] : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) (الأعراف : ٥٣) و «فتصبح» هنا مرفوع؟
قلت : لوجوه :
أحدها : أنّ شرط الفاء المقتضية للنصب أن تكون سببية ، وهنا ليست كذلك ، بل هي للاستئناف (٤) ؛ لأن الرؤية ليست سببا للإصباح.
الثاني : أن شرط النصب أن ينسبك من الفاء وما قبلها شرط وجزاء ، وهنا ليس كذلك ؛ لأنه لو قيل : إن تر أن الله أنزل [ماء] (٥) تصبح ؛ لم يصح ؛ لأن إصباح (٦) الأرض حاصل ؛ سواء رئي أم لا.
فإن قيل : شاع في كلامهم إلغاء فعل الرؤية ، كما في قوله : «ولا تزال ـ تراها ـ ظالمة» أي ولا تزال ظالمة ؛ وحينئذ فالمعنى منصبّ إلى الإنزال [لا إلى الرؤية] (٧) ؛ ولا شك أنّه يصحّ أن [٢٣١ / أ] يقال : «إن أنزل تصبح» ، فقد انعقد الشرط والجزاء.
__________________
(١) ليست في المطبوعة.
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) في المخطوطة وهو المقصود.
(٤) في المخطوطة (بل في الاستئناف).
(٥) ليست في المخطوطة.
(٦) تصحفت في المخطوطة إلى (اصحاب).
(٧) ليست في المخطوطة.