والجواب أن الاستهزاء هو إسماع الإساءة ، والسخرية قد تكون في النفس [غير ممنوع] (١) ولهذا يقولون (٢) : سخرت منه كما يقولون (٢) : عجبت منه ؛ ولا يقال : تجنّب ذلك [لما في ذلك] (٤) من تكرار الاستهزاء [ثلاث] (٣) مرات ؛ لأنه قد كرر السخرية ثلاثا في قوله تعالى : (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) (هود : ٣٨) ، وإنما لم يقل : «نستهزئ بكم» لأن الاستهزاء ليس من فعل الأنبياء.
[٢٣٢ / ب] وأما قوله : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (البقرة : ١٥) فالعرب تسمي الجزاء على الفعل باسم الفعل ، كقوله : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) (التوبة : ٦٧) ؛ وهو مجاز حسن ؛ وأما الاستهزاء الذي نحن بصدده فهو استهزاء حقيقة ، لا يرضى به إلا جاهل.
ثم قال سبحانه : (فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) (الأنعام : ١٠) ، أي حاق بهم من الله الوعيد البالغ لهم على ألسنة الرسل ما كانوا به يستهزءون بألسنتهم ، فنزّلت كلّ كلمة منزلتها.
وقوله [تعالى] : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (البقرة : ١٤٩) ولم يذكر الكعبة ، لأن البعيد يكفيه مراعاة الجهة ، فإن استقبال عينها حرج عليه ، بخلاف القريب ؛ ولما خصّ الرسول بالخطاب تعظيما وإيجابا لشرعته عمّم تصريحا بعموم الحكم (٤) ، وتأكيدا لأمر القبلة.
قاعدة
إذا اجتمع الحمل على اللفظ والمعنى ، بدئ باللفظ ثم بالمعنى ، (٥) [هذا هو الجادّة في القرآن ، كقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا) (البقرة : ٨) ، أفرد أوّلا باعتبار اللفظ ، ثم جمع ثانيا باعتبار المعنى] (٥) ، فقال : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (البقرة : ٨) فعاد الضمير (٥) [مجموعا ؛ كقوله تعالى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (الطلاق : ١١) ، فعاد الضمير] (٥) من «يدخله» مفردا على لفظ «من» ،
__________________
(١) ليست في المطبوعة.
(٢) عبارة المخطوطة في الموضعين (تقول).
(٣) ليست في المخطوطة.
(٤) عبارة المخطوطة (تعظيما له بالمشروعية ، عمم تصريحا لعموم الحكم).
(٥) ليست في المخطوطة.