كما أتي به في عجزها ، لكن منعه توخّي الأدب والتهذيب في نظم الكلام ؛ وذلك أنه لما كان الضمير الذي في «يجزي» عائدا على الله سبحانه ، وجب أن يعدل عن لفظ المعنى الخاصّ إلى رديفه ، حتى لا تنسب السيئة إليه (١) سبحانه ، فقال في موضع السيئة (بِما عَمِلُوا) فعوض عن تجنيس المزاوجة بالإرداف لما فيه من الأدب مع الله بخلاف قوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (الشورى : ٤٠) ، فإن هذا المحذور منه مفقود ، فجرى (٢) الكلام على مقتضى الصناعة.
ومنه قوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) (النجم : ٤٩) ؛ فإنّه سبحانه خصّ الشّعرى بالذّكر دون غيرها من النجوم ؛ وهو ربّ كلّ شيء ، لأن العرب ظهر فيهم رجل يعرف بابن أبي كبشة (٣) عبد الشّعرى ، ودعا خلقا إلى عبادتها.
وقوله [تعالى] : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (الإسراء : ٤٤) ، ولم يقل : «لا تعلمون» لما في الفقه من الزيادة على العلم.
وقوله حكاية عن إبراهيم : (يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ) (مريم : ٤٥) فإنه لم يخل هذا الكلام من حسن الأدب مع أبيه ، حيث لم يصرّح فيه بأن العذاب لاحق له ، ولكنه قال : (إِنِّي أَخافُ) (مريم : ٤٥) فذكر الخوف والمسّ ، [و] (٤) ذكر العذاب ونكّره ولم يصفه بأنه يقصد التهويل ، بل قصد استعطافه ؛ ولهذا ذكر «الرحمن» ولم يذكر «المنتقم» ولا «الجبار» على ، حد قوله :
فما يوجع الحرمان من كفّ حازم |
|
كما يوجع الحرمان من كفّ رازق |
ومنه قوله تعالى : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ(٤) [ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (الأنعام : ١٠) فإنه قد يقال : ما الحكمة في التعبير بالسخرية دون الاستهزاء؟ وهلاّ قيل : «فحاق بالذين استهزءوا بهم»] (٤) ليطابق ما قبله؟
__________________
(١) عبارة المخطوطة (حتى لا تنسب السيئة إلى الله تعالى سبحانه).
(٢) عبارة المخطوطة (في الكلام).
(٣) كذا في المطبوعة والمخطوطة ، ولكن قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١١٩ (أول من عبده أبو كبشة ، أحد أجداد النبي صلىاللهعليهوسلم من قبل أمهاته ، ولذلك كان مشركو قريش يسمون النبي صلىاللهعليهوسلم ابن أبي كبشة) ، فالصواب أنه «أبو كبشة».
(٤) ليست في المخطوطة.