أحدهما إنما يظهر في اللفظ ؛ وإذا كان كذلك صدق أنّه إنما بدئ في الآية بالحمل على المعنى ؛ فيتم كلام (١) العراقيّ.
ونقل الشيخ أبو حيان في «تفسيره» (٢) عن ابن عصفور (٣) : أن الكوفيّين لا يجيزون الجمع بين الجملتين إلا بفاصل بينهما ؛ ولم يعتبر البصريون الفاصل ، قال : ولم يرد السماع إلا بالفاصل ، كما ذهب إليه الكوفيون. ونازعه الشيخ أثير الدين (٤) بقوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) (البقرة : ١١١) ، وقال : ألا تراه كيف جمع بين الجملتين دون فصل! انتهى.
والذي ذكره ابن عصفور في «شرح المقرب» (٥) [له] (٦) : شرط الكوفيون في جواز اعتبار اللفظ بعد اعتبار المعنى الفصل ؛ فيجوّزون : من يقومون اليوم وينظر في أمرنا إخوتنا ، [ولا يجوّزون : من يقومون وينظر في أمرنا إخوتنا ؛] (٧) لعدم الفصل ، وإنما [٢٣٣ / أ] ورد السماع بالفصل. انتهى.
وهذا يقتضي أنّ الكوفيين لا يشترطون الفصل عند اجتماع الجملتين ؛ إلا أن يقدّم اعتبار المعنى ويؤخّر اعتبار اللفظ كما في قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) (البقرة : ١١١) إنما بدئ فيه بالحمل على اللفظ.
وقال ابن الحاجب (٨) : إذا حمل على اللفظ جاز الحمل بعده على المعنى ؛ وإذا حمل على المعنى ضعف الحمل بعده على اللفظ ؛ لأن المعنى أقوى ، فلا يبعد الرجوع إليه بعد اعتبار اللفظ ، ويضعف بعد اعتبار المعنى القويّ الرجوع إلى الأضعف (٩).
__________________
(١) عبارة المخطوطة (بالحمل على معنى كلام العراقي).
(٢) انظر البحر المحيط ١ / ٣٥٠ عند تفسير الآية (١١١) من سورة البقرة ، وفي ٤ / ٢٣٢ عند تفسير الآية (١٣٩) من سورة الأنعام ، فقد ذكر قول شيخه علم الدين العراقي ، الذي أورده الزركشي آنفا.
(٣) هو علي بن مؤمن تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦.
(٤) هو محمد بن يوسف بن علي الغرناطي أثير الدين ، أبو حيان الاندلسي صاحب «البحر المحيط» السابق ذكره.
(٥) حققه عبد الرحمن محمد العمار كرسالة ماجستير بجامعة الإمام محمد بن سعود كلية اللغة العربية بالرياض سنة ١٤٠١ ه / ١٩٨١ م (النشرة الإخبارية ٣ / ٧).
(٦) ليست في المطبوعة.
(٧) ليست في المخطوطة.
(٨) هو عثمان بن عمر بن أبي بكر تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦.
(٩) عبارة المخطوطة (الرجوع إلى ضعف).