فيقولون (١) : فقيه عالم ، وشجاع باسل ، وجواد فياض ، ولا يعكسون هذا لفساد (٢) المعنى ؛ لأنه لو تقدم الأبلغ لكان الثاني [داخلا] (٣) تحته ، فلم يكن لذكره معنى ؛ ولا يوصف بالعالم بعد الوصف بالعلاّم (٤).
وقد اختلف الأدباء (٥) في الوصف بالفاضل والكامل ، أيهما أبلغ؟ على ثلاثة أقوال : ثالثهما أنهما سواء.
قال الأقليشيّ (٦) : والحق أنّك مهما نظرت إلى شخص ، فوجدته مع شرف العقل والنفس كريم الأخلاق والسجايا ، معتدل الأفعال وصفته بالكمال ، وإن وجدته وصل إلى هذه الرتب بالكسب والمجاهدة وإماطة الرذائل وصفته بالفضل ؛ وهذا يقتضي أنهما متضادان ؛ فلا يوصف الشخص الواحد بهما إلاّ بتجوّز.
وقال ابن عبد السلام في قوله تعالى : (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) (المؤمنون : ٩٢) إنما قدّم الغيب مع أنّ علم المغيّبات أشرف من المشاهدات ، والتمدّح به أعظم ، وعلم البيان يقتضي تأخير الأمدح. وأجاب بأن المشاهدات له أكثر (٧) [من الغائب عنّا ، والعلم يشرف بكثرة متعلّقاته ؛ فكان تأخير الشهادة أولى.
٣ / ٤٠٦ وقول الشيخ : إن المشاهدات له أكثر] (٧) ، فيه نظر ؛ بل في غيبه [ما] (٧) لا يحصى (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) (النحل : ٨) ؛ وإنما الجواب أن الانتقال للأمدح ترقّ ؛ فالمقصود هنا بيان [أن] (٨) الغيب والشهادة في علمه سواء ، فنزل الترقي [في] (٨) اللفظ منزلة ترقّ في المعنى ، لإفادة استوائهما في علمه تعالى. و [يوضحه] (٨) قوله تعالى : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) (الرعد : ١٠) فصرح بالاستواء.
__________________
(١) في المخطوطة (فنقول).
(٢) في المخطوطة (لتضاد).
(٣) ليست في المخطوطة.
(٤) في المخطوطة (بالعلامة).
(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (الآي).
(٦) أقليش بضم الهمزة وسكون القاف وكسر اللام ، مدينة بالأندلس ينسب إليها عدة ، ومنهم عبد الله بن يحيى التجيبي الأقليشي أبو محمد يعرف بابن الوحشي ، أخذ القراءة بطليطلة وسمع بها الحديث ، وله «مختصر كتاب مشكل القرآن» لابن فورك وغير ذلك ، توفي سنة (٥٠٢ ه) (ياقوت معجم البلدان ١ / ٢٣٧) ولعله المعني بعبارة الزركشي.
(٧) ليست في المخطوطة.
(٨) ليست في المخطوطة.