تنبيهان
الأول : هذا القسم يشبه الاستعارة في بعض المواضع ، والفرق بينهما ـ كما قاله حازم (١) وغيره ـ أنّ الاستعارة ، وإن كان فيها معنى التشبيه ، فتقدير حرف التشبيه لا يجوز فيها ، والتشبيه بغير حرف على خلاف ذلك ؛ لأنّ تقدير حرف التشبيه واجب فيه.
وقال الرّماني (٢) في قوله تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) (الإسراء : ٥٩) ، أي تبصرة (٣) ، لأنه لا يجوز تقدير حرف التشبيه فيها.
وقد اختلف البيانيون في نحو قوله تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) (البقرة : ١٨) ، إنه ٣ / ٤١٩ تشبيه بليغ أو استعارة؟ والمحققون ـ كما قاله الزمخشري (٤) ـ على الأول ، قال : «لأنّ المستعار له مذكور وهم المنافقون ـ أي مذكور في تقدير الآية ـ والاستعارة لا يذكر فيها المستعار له ، ويجعل الكلام خلوا عنه ، بحيث يصلح لأن (٥) يراد به المنقول عنه وإليه لو لا القرينة ، ومن ثمّ ترى المفلقين السحرة يتناسون التشبيه ويضربون عنه صفحا».
وقال السكاكيّ (٦) : لأن من شرط الاستعارة إمكان حمل الكلام على الحقيقة في الظاهر ، وتناسي التشبيه ، وزيد أسد لا يمكن كونه حقيقة ، فلا يجوز أن يكون استعارة.
***
الثاني : قد يترك التشبيه لفظا ويراد معنى ، إذ لو لم يرد معنى ولم يكن منويّا ، كان استعارة.
مثاله قوله تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) (البقرة : ١٨٧) ، فهذا تشبيه لا استعارة ، لذكر الطرفين : الخيط الأسود ، وهو ما يمتدّ [معه] (٧) من غسق الليل
__________________
(١) القرطاجني ، صاحب كتاب منهاج البلغاء تقدم التعريف به في ١ / ١٥٥. وذكر قوله السيوطي في الإتقان ٣ / ١٤٢. آخر النوع (٥٣).
(٢) هو علي بن عيسى الرّماني تقدم في ١ / ١١١.
(٣) عبارة المخطوطة (أي تبصرا أو مبصرة).
(٤) الكشاف ١ / ٣٩ ـ ٤٠ بتصرف.
(٥) في المخطوطة (أن).
(٦) مفتاح العلوم : ٣٨٧. بتصرف ، وذكر قوله السيوطي في الاتقان ٣ / ١٤٢ النوع (٥٣) تشبيهه واستعاراته ولتمام الفائدة انظر أسرار البلاغة للجرجاني : ٢٧٨ الفرق بين الاستعارة والتشبيه.
(٧) ساقطة من المخطوطة.