شبيها بخيط أسود وأبيض ، وبيّنا بقوله : (مِنَ الْفَجْرِ) والفجر ـ وإن كان بيانا للخيط الأبيض ـ لكن لما كان أحدهما بيانا للآخر لدلالته عليه ، اكتفي به عنه ، ولو لا البيان كان من باب الاستعارة ؛ كما أن قولك : رأيت أسدا ، استعارة ، فإذا زدت «من فلان» صار تشبيها ، ٣ / ٤٢٠ وأمّا أنه لم زيد (مِنَ الْفَجْرِ) حتى صار تشبيها؟ وهلا اقتصر به على الاستعارة التي هي أبلغ! فلأن شرط الاستعارة أن يدلّ عليه الحال ، ولو لم يذكر (مِنَ الْفَجْرِ) لم يعلم أن الخيطين مستعاران من «بدا الفجر» ، فصار تشبيها.
التقسيم الثاني
ينقسم باعتبار طرفيه إلى أربعة أقسام ، لأنهما :
إما حسيّان ، كقوله تعالى : (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (يس : ٣٩) ، وقوله : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (القمر : ٢٠).
أو عقليان ، كقوله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) (البقرة : ٧٤).
وإما تشبيه المعقول بالمحسوس ، كقوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ) (العنكبوت : ٤١) ؛ وقوله : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ) (إبراهيم : ١٨) وقوله : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) (الجمعة : ٥) ، لأن حملهم التوراة ليس كالحمل على العاتق (١) ، إنما هو القيام بما فيها.
وأما عكسه فمنعه الإمام ، لأن العقل مستفاد من الحس ، ولذلك قيل : من [فقد] (٢) حسّا فقد فقد علما ؛ وإذا كان المحسوس أصلا للمعقول فتشبيهه به ، يستلزم جعل (٣) الأصل فرعا والفرع أصلا (٣) ، وهو غير جائز.
٣ / ٤٢١ وأجازه غيره كقوله :
وكأنّ النجوم بين دجاه (٤) |
|
سنن لاح بينهنّ ابتداع |
__________________
(١) في المخطوطة (العنق).
(٢) ساقطة من المخطوطة.
(٣) عبارة المخطوطة ( ... الفرع أصلا والأصل فرعا).
(٤) في المخطوطة (دجاها) والبيت للقاضي التنوخي ، ذكره الجرجاني في أسرار البلاغة : ١٩٦ ، والسكاكي في المفتاح : ٣٤٣.