المواعدة دخلها الاحتمال أن تكون من غير المواعدة ، فأعاد ذكر «الأربعين» نفيا لهذا الاحتمال ، وليعلم أن جميع العدد للمواعدة.
وهكذا قوله [تعالى] (١) : (فَصِيامُ ثَلاثَةِ) [١٥٥ / أ](أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) (البقرة : ١٩٦) أعاد ذكر العشرة ، لما كانت الواو تجيء في بعض المواضع للإباحة ، وقوله : (كامِلَةٌ) تحقيق لذلك وتأكيد له.
فإن قلت : فإذا كان زمن المواعدة أربعين فلم كانت «ثلاثين» ثم عشرا؟
أجاب ابن عسكر (٢) في «التكميل والإتمام» (٣) بأن العشر إنما فصل من أولئك ؛ ليتحدّد قرب انقضاء المواعدة (٤) ، ويكون فيه متأهبا مجتمع الرأي ، حاضر الذهن ؛ لأنه لو ذكر «الأربعين» أولا لكانت متساوية ؛ فإذا جعل العشر فيها إتماما لها استشعرت النفس قرب التمام ، وتجدّد بذلك عزم لم يتقدم.
قال : وهذا شبيه بالتلوم الذي جعله الفقهاء في الآجال المضروبة في الأحكام ، ويفصلونه من أيام الأجل ؛ ولا يجعلونها شيئا واحدا ؛ ولعلهم استنبطوه من هذا.
فإن قلت : فلم ذكر في هذه السورة ـ أعني الأعراف ـ الثلاثين ثم العشر ، وقال في البقرة : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (البقرة : ٥١) ولم يفصل العشر منها؟
والجواب ، والله أعلم : أنه قصد في الأعراف ذكر صفة المواعدة والإخبار عن كيفية وقوعها فذكر على صفتها ، وفي البقرة إنما ذكر الامتنان (٥) على بني إسرائيل بما أنعم به عليهم ، فذكر نعمه عليهم مجملة ، فقال : (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) (البقرة : ٥٠) ، (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ) (٦) مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ (البقرة : ٤٩).
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) تصحفت في المطبوعة إلى عساكر والتصويب من المخطوطة. وهو محمد بن علي بن الخضر الغساني تقدم التعريف به وبكتابه في ١ / ٢٤٢.
(٣) تصحفت في المطبوعة إلى (الإفهام.
(٤) في المخطوطة (العدة).
(٥) في المخطوطة (الأمثال).
(٦) تصحفت في المطبوعة إلى (أنجيناكم).