هذا الطير المعتقد فيه عدم المعقولية بعينه. وقيل : إن الطيران يستعمل لغة في الخفة ، وشدة الاسراع في المشي ، كقول الحماسي (١) :
طاروا إليه زرافات ووحدانا
فقوله : (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) رافع (٢) لاحتمال هذا المعنى. وقيل : لو اقتصر على ذكر الطائر فقال : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ) لكان ظاهر العطف يوهم (٣) : «ولا طائر في الأرض» ؛ لأن المعطوف عليه إذا قيّد بظرف أو حال يقيّد به المعطوف ، وكان ذلك يوهم اختصاصه بطير الأرض (٤) الذي لا يطير بجناحيه ، كالدجاج والإوز [١٤٥ / أ] والبط ونحوها ، فلما قال : (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) زال هذا الوهم ، وعلم أنه ليس بطائر (٥) مقيّد ؛ إنما (٦) تقيدت به الدابة.
وأما قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) (البقرة : ١١) مع أن المعلوم أن الفساد لا يقع إلا في الأرض ، قيل : في ذكرها تنبيه (٧) على أن [هذا] (٨) المحلّ الذي فيه شأنكم وتصرفكم ومنه مادة حياتكم ـ وهي سترة أموالكم ـ جدير ألاّ يفسد فيه ، إذ محل الإصلاح لا ينبغي أن يجعل محلّ الإفساد.
وهذا بخلاف قوله تعالى في سورة براءة : (وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (التوبة : ٧٤) لأن المراد نفي النصير عنهم في جميع الأرض ، فلو لم يذكر لاحتمل [أن يكون] (٩) ذلك خاصّا ببعضها.
وأما قوله تعالى : (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) (التوبة : ٣٠) [وقوله تعالى] (١٠) : (إِنَّما
__________________
(١) هو أنيف بن قريط العنبري وصدر البيت* كنّا إذا ما أتانا صارخ فزع* وانظر ديوان الحماسة ١ / ٢٢ (بشرح المرزوقي).
(٢) في المخطوطة (راجع).
(٣) في المخطوطة (يفهم).
(٤) في المخطوطة (بطيران الطير) بدل (بطير الأرض).
(٥) في المخطوطة (كطائر) بدل (ليس بطائر).
(٦) تصحفت في المخطوطة إلى (أحيا).
(٧) في المخطوطة (تنبيها).
(٨) ساقطة من المطبوعة.
(٩) ساقط من المخطوطة.
(١٠) ليست في المخطوطة.