٣ / ٩ وقال الكوفيون : هو مصدر «فعّل» والألف عوض من الياء في التفعيل. [١٦٢ / أ] والأول مذهب سيبويه.
وقد غلط من أنكر كونه من أساليب الفصاحة ، ظنا أنه لا فائدة له ؛ وليس كذلك بل هو من محاسنها ، لا سيما إذا تعلّق بعضه ببعض ؛ وذلك أنّ عادة العرب في خطاباتها إذ أبهمت بشيء إرادة لتحقيقه وقرب وقوعه ، أو قصدت الدعاء عليه ، كرّرته توكيدا ، وكأنها تقيم تكراره مقام المقسم عليه ، أو الاجتهاد في الدعاء عليه ، حيث تقصد الدعاء ؛ وإنما نزل القرآن بلسانهم ، وكانت مخاطباته جارية فيما بين بعضهم وبعض ، وبهذا المسلك تستحكم الحجة عليهم في عجزهم عن المعارضة. وعلى ذلك يحتمل ما ورد من تكرار المواعظ والوعد والوعيد ، لأنّ الإنسان مجبول من الطبائع المختلفة ، وكلّها داعية إلى الشهوات ، ولا يقمع ذلك إلا تكرار المواعظ والقوارع ، قال تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) (القمر : ١٧) قال في «الكشاف» : «أي سهّلناه للادّكار والاتعاظ بأن شحنّاه (١) بالمواعظ الشافية وصرّفنا فيه من الوعد والوعيد (٢)».
ثم تارة يكون التكرار مرتين ؛ كقوله : (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) (المدثر : ١٩ ـ ٢٠).
وقوله : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى * ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) (القيامة : ٣٤ ـ ٣٥).
وقوله : (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ* ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) (التكاثر : ٦ ـ ٧).
وقوله : (كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ) (النبأ : ٤ ـ ٥).
وقوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (آل عمران : ٧٨).
وقوله : (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) (التوبة : ٦٩).
وفائدته العظمى (٣) التقرير ، وقد قيل : الكلام إذا تكرّر تقرر.
__________________
(١) في المطبوعة «نسجناه».
(٢) الكشاف للزمخشري ٤ / ٤٦.
(٣) في المخطوطة «ومن الفوائد العظمى التقرير ...».