وقد أخبر الله سبحانه بالسبب الذي لأجله كرّر الأقاصيص والأخبار في القرآن فقال : (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (القصص : ٥١).
وقال : (وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) (طه : ١١٣).
وحقيقته إعادة اللفظ أو مرادفه لتقرير معنى ؛ خشية تناسي الأول ، لطول العهد به.
فإن أعيد لا لتقرير المعنى السابق لم يكن منه ، كقوله تعالى : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ* وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ* قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ* قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي* فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) (الزمر : ١١ ـ ١٥).
فأعاد قوله : (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) (الزمر : ١٤) بعد قوله : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) ، لا لتقرير الأول ؛ بل لغرض آخر ؛ لأن معنى الأول الأمر بالإخبار أنه مأمور بالعبادة لله والإخلاص له فيها ، ومعنى الثاني أنه يخصّ الله وحده دون غيره بالعبادة والإخلاص ؛ ولذلك قدّم المفعول على فعل العبادة في الثاني ، وأخّر في الأول ؛ ٣ / ١١ لأن الكلام أولا في الفعل ؛ وثانيا فيمن فعل لأجله الفعل.
واعلم أنّه إنما يحسن سؤال الحكمة عن التكرار إذا خرج عن الأصل ، أما إذا وافق الأصل فلا ؛ ولهذا لا يتجه سؤالهم : لم كرر «إياك» في قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة : ٥).
فقيل : إنما كررت للتأكيد ، كما تقول : «بين زيد وبين عمرو مال».
وقيل : إنما كررت لارتفاع أن يتوهم ـ إذا حذفت ـ أنّ مفعول «نستعين» ضمير متصل واقع بعد الفعل ، فتفوت إذ ذاك الدلالة على المعنى المقصود ، بتقديم المعمول على عامله.
والتحقيق أنّ السؤال غير متجه ؛ لأنّ هنا عاملين متغايرين ، كلّ منهما يقتضي معمولا ، فإذا ذكر معمول كلّ واحد منهما بعده فقد جاء الكلام على أصله ، والحذف خلاف الأصل ، فلا وجه للسؤال عن سبب ذكر ما الأصل ذكره ، ولا حاجة إلى تكلّف الجواب عنه ، وقس بذلك نظائره.
وله فوائد :