من قوله تعالى : (أَيَّ مُنْقَلَبٍ) مفعول مطلق لينقلبون ، وليست مفعولا به لسيعلم ؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، ومثالها في الخفض : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ* بِأَيِّكُمُ) [القلم ، الآيتان : ٥ ، ٦] ، وأي في هذه الآية مخفوضة لفظا مرفوعة محلا ؛ لأنها مبتدأ ، والباء زائدة ، والأصل أيّكم المفتون (١) ، والجملة نصب بتبصر أو يبصرون ؛ لأنهما تنازعاها ، وهما معلّقان عن العمل بالاستفهام ، وفي الآية مباحث أخر.
ومثال الظرف المبني على السكون «إذ» وهو ظرف لما مضى من الزمان ، ويضاف لكل من الجملتين ، نحو : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) [الأنفال ، ٢٦] (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً) [الأعراف ، ٨٦] [(وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ)] [غافر ، ٧٠ ، ٧١] ، وقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) [الزلزلة ، الآية ٤] بعد قوله سبحانه وتعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ) [الزلزلة ، ١] ، وتأتي للتعليل ، نحو : (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) [الكهف ، ١٦] أي : ولأجل اعتزالكم إياهم ، والاستثناء في الآية متصل إن كان هؤلاء القوم يعبدون الله وغيره ، ومنقطع إن كانوا يخصّون غير الله سبحانه بالعبادة ، وكذلك البحث في قوله تعالى : (قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ* أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ* فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) [الشعراء ، ٧٥ ـ ٧٧] وتأتي للمفاجأة كقوله :
__________________
(١) هذا الإعراب الذي ذكره المؤلف هو إعراب سيبويه شيخ النحاة لهذه الآية الكريمة ، وعليه يكون (المفتون) اسم مفعول كما هو الظاهر ، ويكون الاستفهام عمن وقعت عليه الفتنة ؛ فكأن بعضهم يقول لبعض : أي امرئ منكم أثرت فيه دعاية هذا المدعي للنبوة فجعلته يترك دين آبائه إلى دينه؟ وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أن الباء أصلية وأي : مجرور بها لفظا ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، والمفتون : مبتدأ مؤخر ، ثم اختلف النقل عنه في معنى الباء ؛ فنقل عنه قوم أنه يقول : إن معنى الباء السببية ، وعلى هذا يكون المفتون مصدرا بمعنى الفتنة ، وكأن بعض هؤلاء يقول لبعض : بسبب أيكم وقعت الفتنة؟ ومجيء المصدر على زنة مفعول مما أثبته الأخفش ، ومثل لما جاء منه بالميسور والمعسور والمجلود والمحلوف والمعقول : بمعنى اليسر والعسر والجلد والحلف والعقل (انظر شرح الشاهد رقم ٦٠ الآتي) نقل عنه قوم آخرون : أن الباء بمعنى في التي للظرفية ، وعلى هذا يكون المفتون اسم مفعول كما ذهب إليه سيبويه ؛ وكأن بعض هؤلاء يقول لبعض : في أي طائفة من طوائفكم هذا الذي وقعت الفتنة عليه؟