٦٠ ـ استقدر الله خيرا وارضينّ به |
|
فبينما العسر إذ دارت مياسير |
ومثال المبنيّ منها على الفتح «الآن» وهو اسم لزمن حضر جميعه أو بعضه ؛ فالأول نحو قوله تعالى : (الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) [البقرة ، ٧١] وفي هذه الآية حذف الصفة ، أي بالحق الواضح ، ولو لا أن المعنى على هذا لكفروا لمفهوم هذه المقالة (١) ، والثاني نحو قوله تعالى : (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ) [الجن ، ٩] ، وقد تعرب ، كقوله :
______________________________________________________
٦٠ ـ هذا بيت من البسيط ، وقد نسبوه إلى عنبر بن لبيد العذري.
اللّغة : «مياسير» جمع ميسور بمعنى اليسر ، بدليل مقابلته بالعسر ، وفي هذا اللفظ فائدتان ؛ الأولى أنه يدل لما ذهب إليه أبو الحسن الأخفش من مجيء المصدر على زنة اسم المفعول كما جاء على زنة اسم الفاعل كالعافية ، والثانية أنه يدل على جواز جمع المصدر ، ألا ترى أنه جمع ميسورا على مياسير كما يجمع مجنون على مجانين (انظر الهامش في الصفحة السابقة).
الإعراب : «استقدر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، «الله» منصوب على التعظيم ، «خيرا» منصوب على نزع الخافض ، «وارضين» الواو عاطفة ، ارض : فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، ونون التوكيد حرف لا محل له من الإعراب ، «به» جار ومجرور متعلق بارض ، «فبينما» الفاء للتعليل ، بين : ظرف مكان منصوب على الظرفية ، والعامل فيه محذوف ، وما : زائدة ، «العسر» مبتدأ ، وخبره محذوف ، وتقدير الكلام : فبينما العسر حاصل ، مثلا ، «إذ» كلمة دالة على المفاجأة ، وقد اختلف فيها ، فقيل : هي ظرف مكان ، وقيل : هي ظرف زمان ، وعلى القول بأنها ظرف زمان قيل : هي بدل من بين ، وقيل : متعلق بما بعده ؛ لأنه غير مضاف إليه ، «دارت» دار : فعل ماض ، والتاء علامة التأنيث «مياسير» فاعل دارت.
الشّاهد فيه : قوله «إذ» فإنها كلمة دالة على المفاجأة ، ألا ترى أن معنى البيت فبين الأوقات التي
__________________
(١) منطوق هذه العبارة ـ بدون تقدير وصف محذوف ـ أن موسى عليهالسلام قد جاءهم في وقت التكلم بالحق الذي يجب الإيمان به ، ويدل هذا بالمفهوم على أن ما كان قد جاءهم به قبل ذلك ليس بحق ، وهذا كفر لا شبهة فيه ؛ لأنه يجب الإيمان بأن الرسول صلىاللهعليهوسلم لا يأتي في وقت من الأوقات إلا بالحق الذي يجب الإيمان به ، فإن قدرنا الوصف الذي قدره المؤلف كان المفهوم من العبارة أنه قبل وقت التكلم كان آتيا بالحق أيضا ، لكن هذا الحق الذي كان يأتي به لم يكن واضحا ظاهر المعنى لعقولهم ، وهذا لا كفر فيه ؛ لأن نقصه ليس راجعا إلى ما جاء به الرسول ، وإنما نقصه راجع إلى عقولهم.
هذا كله عند من يعتبر المفهوم اعتبار المنطوق ، فأما من لا يرون اعتبار المفهوم فلا يلتزمون هذا التقدير ، والمسألة خلافية بين علماء الأصول ، وهذه العجالة لا تتسع لذكر مقالتهم وأدلتها.