جعل الجميع يشيدون بفضله ويعترفون بنبله ، ويرجعونه إلى عمادة تلك الكلية التي أرسى فيها قواعد العدل ، والتي هيأ فيها للجميع حياة مستقرة ، والتي أمكنه بفضل تفتح ذهنه أن يوجد فيها الأقسام المختلفة ؛ لتتمكن تلك الكلية من متابعة الدرس ومن السير في الدراسة اللغوية والأدبية ، فأنشأ فيها قسما لأصول اللغة كان هو النواة الأولى فيها والمرجع الأوفى فيها» (١).
«إن أستاذنا الجليل ووالدنا الراحل كرّس حياته معتزّا بكرامته ، معتزّا بفضله ، معتزّا بعلمه ، لم يتمكن أحد من أن ينال منه إطلاقا ؛ عرضت عليه المناصب ، وقيل إنه يطلب منك أن تقابل بعض المسؤولين ، فأبت عليه عزة نفسه أن يخضع لتلك الرغبة قائلا أمامنا جميعا ، والله يشهد على ما أقول أنني صادق فيه : «إن المنصب إذا كانت الدولة تعترف أنني أهل له فلتسنده إليّ ، وإن لم تكن معترفة بي فلا حاجة بي إلى مقابلة أي مسؤول مطلقا» لم يقلها رحمهالله غرورا وتأبيا ، بل حفاظا على كرامة العلماء ، وعلى كرامة الرجال الذين أثبتوا في شتى العهود السابقة أن رجال الأزهر يجب أن يثبتوا للملأ أن الأخلاق الفاضلة ، وأن الرجولة الحقة هي التي يجب أن تسيطر عليهم ، وألا تغرهم المناصب ، وألا يبعدهم زهو الحياة وبريق المال إلى الانحراف عن الجادة القويمة التي سار عليها أستاذنا ، والتي دربنا عليها تدريبا قويّا» (٢).
ولئن أمكنك ـ بعد هذا التجوال السريع في دروب حياته وبين معالمها ـ أن تضع يدك على بعض مواطن النبوغ العلمي والعملي ؛ فحري بك أن تجمع إليها قطوفا من أمارات الشموخ والإباء ، ويأتي في مقدمتها موقفه من اعتلاء المناصب الكبرى مثل مشيخة الأزهر ، والتي كان في مقدمة المرشحين لتوليها المرة تلو المرة تلو المرة ، وكذا في ترشيحه لنيل جائزة الدولة في الآداب المرة بعد المرة ، وأضف لذلك ـ إن شئت ـ تلك العروض التي تلقاها لرئاسة جامعات عربية وإسلامية ، وحالت ظروفه الصحية دون قبولها ، وإن كان أهل الأزهر ـ آنذاك ـ يجمعون على أنه أجدر من يتولى المنصب ، فقد كان اعتلاء المناصب يقتضي التحلي بشيم ليست بينها الأهلية
__________________
(١ و ٢) من كلمة الأستاذ الدكتور إبراهيم محمد نجا في حفل مجمع اللغة العربية السابق.