إحداهما : أن يكون الفاعل المؤنث ضميرا متصلا ؛ ولا فرق في ذلك بين حقيقيّ التأنيث ومجازيّه ؛ فالحقيقيّ نحو : «هند قامت» فهند : مبتدأ ، وقام : فعل ماض ، والفاعل [ضمير] مستتر في الفعل ، والتقدير : قامت هي ، والتاء علامة التأنيث ، وهي واجبة لما ذكرناه ، والمجازيّ نحو : «الشّمس طلعت» وإعرابه ظاهر ، ولمّا مثّلت به في المقدمة للتأنيث الواجب علم أن وجوب التأنيث مع الحقيقيّ من باب أولى ، بخلاف ما لو عكست ، فأما قول الشاعر :
٧٧ ـ إنّ السّماحة والمروءة ضمّنا |
|
قبرا بمرو على الطريق الواضح |
ولم يقل «ضمّنتا» فضرورة.
الثانية : أن يكون الفاعل اسما ظاهرا متصلا حقيقيّ التأنيث : مفردا ، أو تثنية له ، أو جمعا بالألف والتاء ؛ فالمفرد كقوله تعالى : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ) [آل عمران ، ٣٥] والمثنى كقولك : قامت الهندان ، والجمع كقولك : قامت الهندات ؛ فأما قوله :
______________________________________________________
٧٧ ـ هذا بيت من الكامل من كلام زياد الأعجم مولى عبد القيس ، من قصيدة له تعد من نادر الكلام ونقي المعاني ، يرثي فيها المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة.
اللّغة : «مرو» أشهر مدن خراسان وقصبتها ، وبينها وبين نيسابور سبعون فرسخا ويقال لها «مرو الشاهجان» ، وعلى بعد خمسة أيام منها مدينة أخرى يقال لها «مرو الروذ».
الإعراب : «إن» حرف توكيد ونصب ، «السماحة» اسم إن ، «والمروءة» معطوف عليه ، «ضمّنا» ضمن فعل ماض مبني للمجهول ، وألف الاثنين نائب فاعل ، مبني على السكون في محل رفع ، وهو المفعول الأول ، «قبرا» مفعول ثان لضمن «بمرو» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لقبر «على الطريق» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة ثانية لقبر ، «الواضح» صفة للطريق.
الشّاهد فيه : قوله «ضمّنا» فإن «ضمّن» فعل ماض مسند إلى ضمير المؤنث ، وهو الألف العائدة إلى السماحة والمروءة ، وكان من حقه أن يؤنث هذا الفعل فيقول «ضمنتا» ، لأن كل فعل أسند إلى ضمير مؤنث يجب تأنيثه ، سواء أكان هذا المؤنث الذي يعود إليه الضمير مؤنثا حقيقي التأنيث أم كان مؤنثا مجازي التأنيث ؛ فترك الشاعر في هذا البيت تأنيث الفعل جار على خلاف الواجب ، وذلك شاذ لا يقاس عليه في السعة ، ومن أحكام ما يشذ عن المطرد الجاري على ألسنة العرب أنه ليس لنا أن نستعمل مثله لا في نثرنا ، وهو بديهي ، ولا في شعرنا ؛ لأن ما كان يجوز للعرب من الضرائر في أشعارهم لا يجوز لنا في أشعارنا ، فافهم هذا.