وأما قوله تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ) [الممتحنة ، ١٢] ، فإنما جاز لأجل الفصل بالمفعول ، أو لأن الفاعل في الحقيقة «أل» الموصولة ، وهي اسم جمع ؛ فكأنه قيل : اللّاتي آمنّ ، أو لأن الفاعل اسم جمع محذوف موصوف بالمؤمنات : أي النسوة اللاتي آمنّ (١).
وأما التأنيث الراجح ففي مسألتين أيضا :
إحداهما : أن يكون الفاعل ظاهرا متصلا مجازيّ التأنيث ، كقولك : طلعت الشمس ، وقوله تعالى : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ) [الأنفال ن ٣٥] (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ) [النمل ، ٥١] (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) [القيامة ، ٩].
والثانية : أن يكون ظاهرا حقيقيّ التأنيث منفصلا بغير «إلا» كقولك : قام اليوم هند ، وقامت اليوم هند ، وكقوله :
٧٩ ـ إنّ امرأ غرّه منكنّ واحدة |
|
بعدي وبعدك في الدّنيا لمغرور |
______________________________________________________
اللفظ ، فيلزم على اعتبار الفعل ماضيا أن يكون البيت شاذّا ، لأنه لم يؤنث الفعل المسند إلى اسم ظاهر متصل حقيقي التأنيث ، ويلزم على اعتبار الفعل مضارعا جريان البيت على المستعمل المطرد ، وهذا الاعتبار أولى بالاعتبار ، لأنه لا يجوز التخريج على الشاذ أو الضرورة ما أمكن غيره.
٧٩ ـ هذا بيت من البسيط ، وقد بحثت طويلا عن هذا البيت فلم أجد أحدا نسبه إلى قائل معين ، والبيت قد استشهد به الأشموني (رقم ٣٦٥) وابن الناظم في باب الفاعل.
الإعراب : «إن» حرف توكيد ونصب ، «امرأ» اسم إن ، «غره» غر : فعل ماض ، والهاء ضمير غائب عائد إلى امرئ ، مفعول به ، «منكن» جار ومجرور متعلق بغر ، أو هو متعلق بمحذوف حال من واحدة الآتي ، «واحدة» فاعل غر ، وجملة الفعل والفاعل في محل نصب صفة لقوله امرأ ، «بعدي» بعد : ظرف متعلق بغر ، وبعد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، «وبعدك» هذا الظرف معطوف بالواو على الظرف السابق والكاف ضمير المخاطب مضاف إليه ، «في الدنيا» جار ومجرور متعلق إما بقوله مغرور الآتي ، وإما بمحذوف صفة لامرئ ، والأخير أولى عندنا من جهة المعنى ، «لمغرور» اللام هي اللام المزحلقة ، مغرور : خبر إن التي في أول البيت.
__________________
(١) أنت تعلم أن كل ما يدل على معنى الجمع يحتمل أن يؤول بالجماعة فيكون مؤنث المعنى ، ويحتمل أن يؤول بالجمع فيكون مذكر المعنى.