عندكم بهرجه ، وأنتم خير من علم أن الأمم لا تنهض إلا بأن تصل حديثها النافع بقديمها الصالح.
حضرات السادة .. إن للأمة العربية لتراثا من العلم والمعرفة في جميع ما كان معروفا للعالم من ألوان العلم والمعرفة ، وقد ساير آباؤنا بهذا التراث أحقاب الزمن ، وكان لهم في كل عصر ما يعدّ من ذخائر المواريث ، وقد مضت علينا فترة من الزمن لم نحاول فيها أن نجدد ما درس من رسومهم ، بل لقد كان كثير منا ينال من هؤلاء الآباء ويرميهم بشر ما يرمى به إنسان ، وليس هذا من سمة أهل العلم ، وإنما واجب أهل العلم أن يتقبلوا من كل أحد ما رأوه حقّا ، وأن يبينوا منه ما رأوه خطأ ، فما من أحد من الناس إلا وهو بصدد أن يؤخذ من كلامه ويترك ، وإني لأشعر أن الأكثرية من المتعلمين ـ متعلمي هذا الجيل ـ أخذت في طريق البحث الصحيح ، فعلى القوّامين على التعليم أن ييسروا لهم السبل ، ويمهدوا أمامهم الطريق مخافة أن تزلّ أقدام بعد ثبوتها. وأنتم إن شاء الله فاعلون ...».
وفي حديثه عن التأليف وتحقيق كتب التراث ، والفارق بينهما ، يضع يدك على حقيقة ، نحسب الكثيرين بمنأى عن إدراكها الإدراك الصحيح :
«ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أنبهك إلى حقيقة قد تغفلها أو تتشكك فيها إذا عرضت لك ، أحب أن تعلم أن الجهد الذي يبذله من يحقق كتابا من كتب أسلافنا لا يقل عن الجهد الذي يبذله مؤلف كتاب حديث ، بل أنا أجاهر بأن جهد الأول فوق جهد الثاني ، وفرق بين من يعمد إلى المعارف فيختار منها ما يشاء ، ثم يعبر عما اختار بالأسلوب الذي يرضاه ، وبين آخر لا يسعه إلّا إثبات ما بين يديه بالأسلوب الذي اختاره صاحبه منذ مئات السنين ، وهو بين عبارات شوهها التحريف وغيّر الكثير منها تعاقب أيدي الكتّاب والصفافين ، وأكثرهم ممن لا يتصل بالعلم من قريب أو بعيد» (١).
ثم يطلعك على رؤيته لواحدة من قضايا العصر الساخنة :
__________________
(١) من مقدمة كتاب «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» السابق.